كُتاب الترند العربي

الإعلام الصحي.. بين التوعية والمسؤولية

رنيم ماجد الذيب

في زمن تتدفق فيه المعلومات من كل اتجاه، أصبح الإعلام شريكًا رئيسيًا في تشكيل الوعي الجمعي، لا سيما حين يتعلق الأمر بصحة الإنسان، فالكلمة اليوم لم تعد مجرد وسيلة تواصل، بل أداة تأثير قادرة على بناء ثقافة أو هدمها، نشر الوعي أو بث الخوف، ومن هنا تتجلى أهمية الإعلام الصحي كرسالة إنسانية سامية، تُعنى بتثقيف المجتمع وتوجيهه نحو حياة أكثر توازنًا ووعيًا.

منذ أن بدأت دراستي في الإعلام، تخصص الصحافة والنشر الإلكتروني، كنت أؤمن أن الإعلام الحقيقي لا يُقاس بعدد الأخبار المنشورة، بل بالأثر الذي يتركه في الناس. واليوم، وأنا على مشارف التخرج، أزداد قناعة بأن الإعلام الصحي تحديدًا يحتاج إلى قلوب تؤمن بالمسؤولية، لا فقط بالسبق، فالكلمة في هذا المجال قد تُشفي كما يشفي الدواء، وقد تجرح كما يجرح الإهمال.

الإعلام الصحي لا يتعامل مع الأرقام فقط، بل مع الإنسان بكامله جسدًا وعقلًا وروحًا، لذلك لا بد أن تكون الرسالة الإعلامية متزنة تراعي اختلاف الشخصيات وتنوع استجاباتها، فهناك من يتعامل مع المعلومة بعقلانية، وآخر يتأثر بعاطفته قبل تفكيره. إدراك هذه الفروق يجعل الإعلام أكثر إنسانية، ويقرّب الكلمة من القلب قبل أن تصل إلى العقل.

علم النفس يذكّرنا بأن الإنسان يحتاج إلى الشعور بالأمان قبل أن يقتنع بالمعلومة، وهنا يظهر دور الإعلامي الواعي الذي ينشر المعرفة بلطف واتزان، فالتوعية لا تعني التخويف، بل خلق فهم عميق يجعل المتلقي يتخذ قراراته بثقة وهدوء. والإعلام الصحي الحقيقي هو الذي يزرع الطمأنينة في الناس لا الهلع.

أحب الإعلام لأنه مساحة تمنحني الفرصة للمشاركة في بناء وعي مجتمعي ناضج، ولأن التوعية بالنسبة لي فعل إنساني قبل أن تكون مهمة مهنية. فكل مادة إعلامية تُنشر بنية صادقة قد تغيّر سلوكًا أو تزرع فكرة أو تُعيد الأمل لشخص ما.

وفي النهاية، الإعلام الصحي ليس رفاهية، بل ضرورة، لأنه يذكّرنا أن الصحة تبدأ من الفكرة، وتنمو في الوعي، وتستمر بالكلمة المسؤولة. الإعلام ليس فقط ما يُقال، بل كيف يُقال، بحكمة وصدق وإحساس يليق بالإنسان.

الإعلام حين يُلامس الإنسان من الداخل، يصبح أكثر من مجرد وسيلة نقل خبر، بل يتحول إلى نبضٍ يوقظ الوعي، ويُعيد ترتيب الفكرة في أذهان الناس. فالكلمة الصادقة قادرة على أن تُغيّر نظرة شخص، وتُطمئن قلب مريض، وتزرع الأمل في مجتمعٍ متعب. نحن لا نحتاج إلى إعلامٍ صاخب يملأ الضجيج، بل إلى إعلامٍ يشعر بنا، يتحدث بلغة قلوبنا، ويمنحنا طاقة للاستمرار، حين تمتزج الرسالة الإعلامية بالوعي الإنساني، تصبح أشبه بعلاجٍ نفسي يلامس الروح قبل الجسد.

المصدر: اليوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى