سديم “الجبار” يزين سماء رفحاء في مشهد فلكي بديع يوثق ولادة النجوم
سديم “الجبار” يزين سماء رفحاء في مشهد فلكي بديع يوثق ولادة النجوم
الترند العربي – متابعات
في مشهد فلكي نادر يلامس حدود الجمال الكوني، رُصد سديم الجبار (Orion Nebula) في سماء محافظة رفحاء بمنطقة الحدود الشمالية، حيث أضاء السديم الأفق بمظهرٍ يأسر الأنظار ويؤكد روعة الكون وسحر تفاصيله الدقيقة. وقد وثّق عدد من هواة الفلك المشهد بعدسة احترافية وسط أجواء صافية ساعدت على رؤية السديم بوضوحٍ لافتٍ جعل من رفحاء محطة فريدة لعشّاق السماء.

سديم الجبار.. مصنع النجوم
أوضح عضو جمعية آفاق لعلوم الفلك برجس الفليح، في حديثه لـ”واس”، أن سديم الجبار يُعد من السدم الانتشارية أو الإشعاعية، وهو من أبرز المعالم الفلكية القريبة نسبيًا من الأرض. يقع السديم في الجزء الجنوبي من حزام كوكبة الجبار، ويُعد بمثابة مصنع طبيعي لتكوّن النجوم القزمة التي تتشكل من الغازات والغبار الكوني الناتج عن انفجارات نجمية قديمة.
وأضاف الفليح أن السديم يتميز بألوانه المتعددة الناتجة عن تفاعل العناصر الكونية بداخله، مثل الهيدروجين والأوكسجين والكبريت، مما يمنحه إضاءة مبهرة يمكن تمييزها حتى بالعين المجردة من مناطق منخفضة التلوث الضوئي.

المسافة الكونية.. بين رفحاء وولادة الضوء
يبعد سديم الجبار عن الأرض نحو 1,350 سنة ضوئية، أي ما يعادل أكثر من 12 كوادريليون كيلومتر، وهي المسافة التي يقطعها الضوء بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة.
ويُعتبر هذا السديم أحد أقرب وألمع السدم إلى كوكبنا، ما يجعله وجهة مثالية للباحثين في علوم الفضاء الفوتوغرافي الذين يدرسون ظواهر ولادة النجوم ونشوء الأنظمة الشمسية في بداياتها الأولى.
مرصد طبيعي لعشّاق الفلك في الجزيرة العربية
وأوضح الفليح أن سديم الجبار سيكون مرئيًا بوضوح في سماء الجزيرة العربية خلال ليالي الشتاء والربيع، خاصة ضمن كوكبة الجوزاء التي تضم أيضًا سديم رأس الحصان، وهي منطقة غنية بالأجرام السماوية التي تشكل لوحات بصرية مذهلة لعشّاق الرصد الليلي.
وأشار إلى أن المشهد الذي شهدته رفحاء يعكس اهتمامًا متزايدًا لدى الشباب السعودي بعلوم الفلك والتصوير الكوني، ضمن اتجاهٍ ثقافيٍ وعلميٍ يتنامى بدعم المؤسسات المعنية مثل هيئة الفضاء السعودية والاتحاد العربي لعلوم الفلك والفضاء.

أسرار الجمال الكوني
يعد سديم الجبار من أكثر الأجرام السماوية تصويرًا حول العالم بسبب مزيجه الفريد من الألوان البنفسجية والزرقاء والوردية التي تنتج عن تفاعل الغازات المؤينة. ويُظهر بوضوح مراحل ولادة النجوم الصغيرة داخل غيوم كثيفة من الهيدروجين والغبار.
ويقول علماء وكالة ناسا إن هذا السديم يمثل “مختبرًا طبيعيًا مفتوحًا في السماء”، يمكن من خلاله دراسة الظواهر الفيزيائية المعقدة التي تؤدي إلى تشكّل النجوم الجديدة وموت القديمة، ما يجعله محورًا أساسيًا في أبحاث علم الفلك التطوري.
بين رفحاء والمجرّة.. نافذة على الخلق
إن رؤية هذا السديم من رفحاء ليست مجرد حدث بصري، بل تجربة تأملية عميقة تربط الإنسان بعظمة الكون وامتداده اللانهائي. فكل نقطة ضوء تُرى في السماء هي تاريخٌ مكتوبٌ بالضوء والغاز والزمان، ترويه لنا نجومٌ وُلدت قبل آلاف السنين.
ويشير علماء الفلك إلى أن مثل هذه المشاهد تذكّرنا بأن الأرض ليست سوى نقطة صغيرة في محيط كوني واسع، وأن مراقبة السماء ليست رفاهية بل معرفة تعيدنا إلى أصول الخلق وفلسفة الوجود.
ما هو سديم الجبار وأين يقع؟
سديم الجبار هو سحابة كونية ضخمة من الغاز والغبار تقع ضمن كوكبة الجوزاء، وتُعد من ألمع السدم في السماء، ويمكن رؤيتها بالعين المجردة من أماكن منخفضة التلوث الضوئي.
كم يبعد سديم الجبار عن الأرض؟
يبعد حوالي 1,350 سنة ضوئية عن كوكب الأرض، أي أن الضوء الذي نراه منه اليوم انطلق منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنًا من الزمان.
هل يمكن رؤية سديم الجبار من السعودية؟
نعم، يمكن رؤيته بسهولة في سماء المملكة خلال أشهر الشتاء والربيع، خاصة في المناطق المفتوحة ذات الأجواء الصافية مثل رفحاء والعلا وتبوك.
لماذا يحظى سديم الجبار باهتمام العلماء؟
لأنه يمثل بيئة نموذجية لتكوّن النجوم، ما يجعله مصدرًا علميًا مهمًا لدراسة مراحل تطور الأجرام السماوية وفهم تكوين المجرات والأنظمة النجمية.
وفي ختام هذا المشهد الفلكي البديع، تؤكد السماء فوق رفحاء أن الكون ما زال يعرض علينا دروس الجمال والدهشة في كل ليلةٍ صافية. وبين أضواء النجوم وسكون الفضاء، يظل الإنسان متأملًا في أسرار الخلق، يتتبع أثر الضوء ليصل إلى معنى الوجود.
إنه سديم الجبار، مرآةُ السماء التي تُذكّرنا بأننا جزء من هذا الكون العظيم، نحيا على كوكب صغيرٍ في مجرّةٍ تتسع لحكايات لا تنتهي.
اقرأ أيضًا: مرصد الختم الفلكي يوثق ظهور هلال شهر جمادى الأولى