الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد السعودي.. فرص جديدة ومخاطر مستترة

الترند العربي – متابعات
في الوقت الذي تمضي فيه رؤية السعودية 2030 نحو تنويع الاقتصاد وتعزيز القطاعات غير النفطية، يبرز الذكاء الاصطناعي كأحد أعمدة التحول الاقتصادي في المملكة، ليس فقط كأداة تقنية، بل كقوة إنتاجية قادرة على إعادة تشكيل أسواق العمل، والاستثمار، وصناعة القرار.
قفزة اقتصادية مرقمة بالأرقام
بحسب تقرير PwC العالمي، يتوقع أن يسهم الذكاء الاصطناعي بإضافة تفوق 135 مليار دولار إلى الناتج المحلي السعودي بحلول عام 2030، أي ما يعادل نحو 12% من حجم الاقتصاد الوطني، في واحدة من أعلى النسب على مستوى الشرق الأوسط.
كما تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن استمرار نمو قطاع الذكاء الاصطناعي بمعدل 20% سنويًا، يمكن أن يرفع معدل النمو الاقتصادي السنوي للمملكة بنحو 0.6% إضافية، وهو ما يعزز مكانتها كأكبر اقتصاد رقمي في المنطقة.

التحول الرقمي الذي تقوده الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، بالتعاون مع وزارات ومؤسسات كبرى مثل وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات ووزارة الاستثمار، ساهم في إدخال الذكاء الاصطناعي في قطاعات الطاقة، النقل، الصحة، والتعليم، ضمن خطة لبناء اقتصاد معرفي متكامل.
مشاريع كبرى واستثمارات ضخمة
في فبراير الماضي، أعلنت شركة Salesforce الأمريكية عن استثمار بقيمة 500 مليون دولار في مشاريع الذكاء الاصطناعي داخل المملكة، ضمن استراتيجية تهدف إلى جعل السعودية مركزًا إقليميًا لتقنيات المستقبل.
كما كشفت Nvidia عن توريد أكثر من 18 ألف شريحة معالجة متقدمة إلى السعودية لدعم مشاريع الحوسبة الفائقة والتعلم العميق، ما يعزز البنية التحتية التقنية ويضع المملكة في مصاف الدول المتقدمة في هذا المجال.
أما على مستوى القطاع الصناعي، فقد أشار الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية إلى أن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات التشغيلية من خلال نظام “DeepSeek” ساهم في رفع الكفاءة وتقليل تكاليف التشغيل بشكل ملموس.
مكاسب متوقعة في سوق العمل
وفق دراسة صادرة عن معهد ماكنزي العالمي، من المتوقع أن يخلق الذكاء الاصطناعي في السعودية أكثر من 200 ألف وظيفة جديدة خلال العقد القادم، تتعلق بمجالات تحليل البيانات، الأمن السيبراني، إدارة الأنظمة الذكية، وتطوير التطبيقات.
في المقابل، تشير التقديرات إلى أن 20% من الوظائف التقليدية مرشحة للاختفاء أو إعادة الهيكلة، وهو ما يضع تحديًا أمام برامج التدريب وإعادة التأهيل المهني لضمان توازن سوق العمل.
مخاطر مستترة تحتاج إلى إدارة
رغم الوعود الاقتصادية، إلا أن التقارير البحثية تحذر من مخاطر هيكلية وأخلاقية مرتبطة بتسارع تطبيقات الذكاء الاصطناعي دون ضوابط واضحة، أبرزها:
- فقدان الوظائف بسبب الأتمتة السريعة في القطاعات الخدمية والإدارية.
- ارتفاع الفجوة بين المهارات التقنية الحديثة والقدرات البشرية التقليدية.
- تحديات الخصوصية وحماية البيانات في ظل الاعتماد المتزايد على الخوارزميات السحابية.
- احتمالية تركز الفوائد في المدن الكبرى دون استفادة المناطق الطرفية.
ويرى خبراء الاقتصاد الرقمي أن مواجهة هذه التحديات تستدعي حوكمة رشيدة للذكاء الاصطناعي، تشمل تشريعات دقيقة، وتكاملًا بين القطاعين العام والخاص، لضمان أن يبقى الابتكار في خدمة الإنسان لا على حسابه.
التعليم والمهارات الرقمية
في هذا السياق، أطلقت وزارة التعليم بالتعاون مع سدايا الاستراتيجية الوطنية للتعليم في الذكاء الاصطناعي، بهدف دمج المناهج الرقمية في التعليم الجامعي والعام، وإعداد جيل قادر على التعامل مع اقتصاد المعرفة الجديد.
كما دشنت الجامعات السعودية برامج متخصصة في علوم البيانات والتعلم الآلي، ما يجعل رأس المال البشري أحد أعمدة بناء الاقتصاد الذكي.
مستقبل الاقتصاد الذكي في المملكة
يرى مراقبون أن السعودية تسير بخطى واثقة نحو التحول إلى مركز عالمي لتقنيات الذكاء الاصطناعي، مستفيدة من قوتها المالية، واستقرارها التشريعي، وتكامل مشاريعها الوطنية. لكن نجاح التجربة سيعتمد على توازن دقيق بين الطموح والضبط، بحيث لا تتحول الثورة التقنية إلى فجوة اجتماعية أو تحدٍ أخلاقي غير محسوب.
وفي النهاية، يظل السؤال مفتوحًا: هل سيكون الذكاء الاصطناعي قوة دفعٍ جديدة للاقتصاد السعودي أم موجة عاصفة تحتاج إلى كوابح واعية؟