كُتاب الترند العربي

منذ متى بِتَّ لا تهتم؟

هلا خباز

بتتذكر لما كنت أصغر، كنت ماشي وحامل كلام الناس على كتافك؟

هاد حكى، وهاد شكى، وليش؟ والسبب؟ وكيف ممكن أصلّح فكرته عني؟

وكبرت شوي، صرت تهتم ليش حكى، بس ما عادت نظرته لك تاخذ من حيز تفكيرك كتير.. صح؟

ارجع بالزمن شوي، لموقف انفهمت فيه غلط وانحكى عليك.

إيش كان إحساسك وقتها؟ بتتذكر؟

أنا مختلف.. طيب، إيش المشكلة؟ ما أعجبك؟.. مو ضروري.

الموضوع مو سهل، أعرف.. إنك تجلس وتسمع قصص عنك، بتعرفها أو ما بتعرفها؟، إنك تواجه أحد فسّر تصرفك على كيفه؟، إنك تشوف اختلافك عنهم بردود أفعالهم وتصرفاتهم معك؟

لحظة.. متى بدأت الحكاية؟ ومتى بطلت تستغرب، تدافع، تبكي، تشكي؟

نحن هنا لا ندّعي المثالية، ولا قلنا لك وقف على المراية وقول: أنا لا أهتم، والي يزعل، خله يزعل، وما عليّ من أحد.. خلنا نمسك العصا من النص، ونعرف متى لازم نرد، ومتى نطنّش، ومتى نقاضي، ومتى نقطع.. ومتى لازم نخلي كل شي يعدي من ورانا وما نلتفت له؟

استمع لما يُقال، وخذ منه ما يفيدك ويطوّرك، لكن لا تجعل رأي الناس هو من يقود حياتك بالكامل.

الميزان هو أن ترضي ضميرك، وتحترم ذاتك، وتتعلم مما يقوله الآخرون دون أن تصبح أسيرًا لرأيهم.

يقول ستيف جوبز: “وقتك محدود، فلا تضيّعه في عيش حياة شخص آخر. لا تدع ضوضاء آراء الآخرين تُغرق صوتك الداخلي.”

الاختلاف عن السائد يعرّضنا دومًا للنقد، كثير من الناس يجدون صعوبة في تقبّل المختلف عنهم، لأن الاختلاف يهدد شعورهم بالأمان والانتماء.

العقل البشري مبرمج على تفضيل “الجماعة” أو “المألوف”.

يقول نزار قباني: “مشكلتي أنني مختلف، وهم يريدونني نسخةً عنهم.”

المختلف قد يعني خطرًا، أو تهديدًا للنظام القائم، أو ببساطة شعورًا بعدم الراحة.

كن من الجانب الإيجابي، التقبّل مهارة يمكن تعلمها، والمجتمعات التي تعزز قيم الحوار والانفتاح عادةً ما تكون أكثر تقبّلًا للاختلاف.

قرأت عبارة مرة في كتاب تحفيزي لا أذكر قائلها: “تعامل مع هفوات وكبوات الآخرين معك على أنها جزء من الحياة.” ومنذ أن طبقتها، ارتحت.

أذكر مرة كنت أحتضن طفلة صديقتي التي أحب، والتي تحرص في كل جلسة، بمناسبة أو من دون مناسبة، أن تذكرني بأني مختلفة جدًا عنهم، وأنها تتعامل معي على مضض، رغم أنها تحبني جدًا وتحترم عقلي!!

نعود للقصة، حضنتني ابنتها الصغرى وقالت لي: “أحبك جدًا وما أسكت لهم لما يتكلموا عليك!” تخيلوا وجه أمها، وشلال الدموع إلي فشلت بإيقافه.

عالمنا مليء بالآراء والأصوات، التي نجد أنفسنا فيها بين مطرقة رأينا الشخصي وسندان ما يقوله الآخرون عنا.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يجب أن نهتم بما يقوله الناس؟

استمع للآراء، ولكن فلترها بعقلك وقلبك حتى ما تأثر فيك، لأن في كثير من المجتمعات يصبح الكلام السيئ والنميمة وسيلة للترفيه أو التقارب، وفي الغالب ما يكون قصدهم إلحاق الأذى بشكل مباشر.. عم يتسلّوا!

وفي أحيان كثيرة، ما يفعلونه هو إسقاط لمشاعرهم، وجُلّ ما يقولونه عنا يعكسهم هم، يسقطون ضعفهم وألمهم الداخلي على من حولهم.

يقول جبران خليل جبران: “لا تجعلوا ثرثرة السفهاء تؤثر فيكم، فالذهب لا يفقد قيمته حين يُقال عنه إنه نحاس.”

نعود ونؤكد بأنه لا يمكن إنكار أن آراء الناس أحيانًا تكون مرايا نرى فيها ما لا نراه بأنفسنا.

النقد البنّاء، والرأي الصادق، والأسلوب المحترم في إيصاله قد تساعدنا على تحسين سلوكنا، وتطوير مهاراتنا، وتصحيح أخطائنا.

لأن حياتنا الاجتماعية قائمة على التفاعل، ومن الطبيعي أن نكون جزءًا من دائرة التأثير والتأثر.

في مقولة ما أحبها وأرى أن الناس يستخدمونها بطريقة مستفزة: “القافلة تسير والكلاب تعوي” لا يا محور الكون، مو دايمًا الناس غيرانة منك، ولا مسار قافلتنا دايمًا صح! ورفقاء رحلتنا مو دايمًا بيبضوا الوجه..

طبيعي نسمع انتقاد، وطبيعي ما نعجب كل الناس.

لكن إلي مو طبيعي أننا نكون متطرفين في تسفيه رأي الآخرين فينا، أو مفرطين في محاولة كسب رضاهم، وأن قيمتنا الذاتية مستمدة مما يقوله الآخرون عنا، وأن تتأرجح خطواتنا خوفًا من الفشل وشماتة الأعداء.

لا أحد يستطيع أن يُرضي الجميع، ومن يحاول ذلك، سينتهي به الأمر منهكًا وضائعًا عن ذاته الحقيقية.

تعامل مع الآراء والمواقف بنضج وبحيادية، اهتم برأي من يحبّوك ويصادقونك على خيرك، ولا تجعل حياتك ملعبًا لكل من أراد أن يقول رأيًا.

أنت الميزان والحكم الأخير على نفسك، ورأيك وصوتك الداخلي هو البوصلة الأصدق غالبًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى