
“الذكاء الاصطناعى” برىء من ترويج الدواء المغشوش وقنوات “بير السلم”
أكرم القصاص
لا يمكن تبرير الغش والتدليس فى كل الأحوال، لكن خطر النصب وترويج المنتجات الخاطئة، فى ما يتعلق بالأدوية، لا يصبح فقط اعتداء على المستهلك وحقوقه، لكنه اعتداء على صحة المواطن السليم والمريض، وتقديم منتجات تضر بصحته، وبعضها قد يقتله، وقد يكون طبيب سم النحل، أحد النماذج لهذا النوع من الخداع، لكن الحقيقة أن مواقع التواصل تحولت إلى منصات وفاترينات لعرض السموم تحت اسم أدوية وعلاج.
والمفارقة أن أحد مروجى الخزعبلات الطبية، زعم فى التحقيقات، أنه ليس الذى يظهر فى المواقع، وإنما تم استعمال صوره وصوته بالذكاء الاصطناعى، وهنا نتساءل: كم من الجرائم ترتكب باسم الذكاء الاصطناعى؟ لأن هذا المزعوم طبيعى جدا، وله مئات الفيديوهات يقدم فيها وصفات يزعم أنها تغنى عن الدواء لأمراض مستعصية، ثم إنه يروج ويقدم إعلانات لمنتجات عشبية، أو أدوية لا توجد أى بيانات عليها أو تصاريح من وزارة الصحة، وهنا يفترض كما طالبنا أن تكون هذه الجهات الرسمية حاضرة على الإنترنت، وتتابع مزاعم الحصول على التصاريح، وتمنع وتصدر نشرات حول هذه المنتجات المجهولة، وليس أعز على المجتمع من الصحة، خاصة مع الإلحاح واستعمال الدجالين لأساليب الإقناع أو تقديم أشخاص على أنهم أطباء فقط يرتدون البالطو الأبيض، أو يحملون سماعة، ولا يمكن الجزم بأنهم أطباء غير مظهرهم، ويفترض أن هناك قوانين فى نقابة الأطباء تمنع على الأطباء أن يظهروا فى ترويج أدوية، أو فى إعلانات، من دون تصاريح، وبالتالى تجب مطاردة هؤلاء المزعومين والمزعومات.
ثم إن هناك قنوات بير سلم تقدم برامج طبية تروج لمنتجات طبية ومكملات وأدوية تخسيس أو تسمين، وأحيانا أدوية لعلاج الكبد، بل والأورام، وكلها دون تراخيص، وهذه الشاشات ليس من الصعب متابعتها، أو ضبط القائمين عليها ومحاسبتهم، لأن تركهم يشجع غيرهم على فعل هذا، لكن الكارثة تأتى من أن بعض القنوات الإعلانية تؤجر الهواء لبعض المدعين ليروجوا أنفسهم أو منتجاتهم الطبية المزعومة.
وفى قنوات تشبه قنوات التليفزيون، يجلس أشخاص على أنهم مذيعون يستضيفون من يزعم أنه طبيب ليتحدث بكل ثقة عن دواء لعلاج أمراض العظام واللمباجو والانزلاق الغضروفى، والعمود الفقرى، وأمراض المفاصل والعضلات، ثم فجأة تبدأ فقرة النصب ليتحدث الخبير المزعوم عن دواء محدد يتم بيعه «طبعا أونلاين أو بالتليفون»، وهو دهان أنتجته «شركة كذا» ويظهر ممثلون واضح جدا أنهم ممثلون، ليتحدثوا كيف أنقذهم الدهان السحراوى من الألم والمرض وقضى على آلامهم، وأنه دواء عظيم، ينهى كل الأوجاع بلا تدخل جراحى أو علاجى، بالرغم من أن هذا كلام غير طبى، وغير منطقى، لكنه طبعا يلقى بعض الزبائن المحتملين ممن يقعون فى فخ الدواء الوهمى، ويأتى غيرهم لأنهم لا يعترفون ولا يجدون طرقا ليفضحوا هذه الشركات التى تجمع أموالا، وتتاجر فى آلام المرضى.
المفارقة أن هذه المواقع أو القنوات على «يوتيوب» أو «فيس بوك» أو «تليجرام» لم تعد حالات فردية، وإنما ظاهرة تتسع وتمثل تهديدا لصحة المواطنين والمرضى، لأنها تنطلق من قنوات بعيدة عن الرقابة وتمثل تهديدا لصحة الناس، وتزعم الحصول على تراخيص من الصحة، أو تزعم أنها لأطباء بينما هى مواقع نصب «بير سلم»، بعضها يروج مواد خطرة وبعضها سام، يزعمون علاج كل الأمراض حتى المستعصى منها، بينما هم مجرد نصابين، يجب أن يُعاقَبوا، لكن الأزمة فى كيفية مطاردتهم او متابعة عشرات أو مئات القنوات والمواقع، التى تعلن عن هذه الأوهام، ونحتاج بالفعل إلى أن تتبع الجهات المختصة سبلا حديثة لمواجهة مواقع ومزعومين يمارسون الدجل ويبيعون الأوهام، ويسببون ضررا للمرضى، وإذا سقطوا يلصقون جرائمهم بالذكاء الاصطناعى، وهو برىء من شرور مدعى الطب والدجالين.
المصدر: اليوم السابع