عمر غازيكُتاب الترند العربي

أربعون عامًا

أربعون عامًا 

عمر غازي 

عندما كنت في الخامسة والعشرين، لم أكن أملك من الحكمة ما يجعلني أحتفل بنضجي، بل وجدتني أغرق فجأة في اكتئاب هادئ، شعرت فيه وكأنني عبرت فجأة إلى منطقة لم أجهز نفسي لها، لا أحلام الطفولة تناسبني، ولا ثقة الكبار قد تلبستني، كنت في المنتصف، وأكره المنتصف، فبدأت أهرب من حساب عمري، كأنني إذا تجاهلت الأرقام، سأنجو من وطأة مرورها.

مرت السنوات، تصالحت جزئيًا مع الفكرة في أوائل الثلاثينات، لكنها لم تكن مصالحة كاملة، بل هدنة مؤقتة، قُدّمت فيها الأعذار للزمن وأُرجئت فيها المواجهة، إلى أن عاد كل شيء دفعة واحدة، حين اقتربت من الأربعين.

الأربعون ليست رقمًا عابرًا، بل هو الحد الفاصل بين الحلم والخوف، بين ما يمكن اللحاق به، وما فات أوانه، هي العلامة التي تنظر فيها خلفك فترى حياةً مرت كلمح البصر، وتُطل منها إلى الأمام فتُدرك أنك، على الأرجح، لن تعيش أطول مما عشته، وأن النصف الثاني من الفيلم لا يحتوي غالبًا على البداية، بل على الخاتمة.

ليست الأزمة في التجاعيد أو الشعر الأبيض، بل في يقظة الوعي، في إدراكك أنك مهما فعلت، لن ترجع للوراء، وأن الزمن لم يعد معك، بل أصبح أمامك يلوّح لك من بعيد بيدٍ باردة، وأنت ترد عليه بخوفٍ دافئ، لا تعرف هل هو خوف من الموت، أم من الحياة نفسها حين تصبح أقصر من أن نصلح ما أفسدناه فيها.

بحسب دراسة نشرتها جامعة هارفارد عام 2019، فإن نسبة الاكتئاب والقلق ترتفع بشكل ملحوظ في الفئة العمرية بين 38 و45 عامًا، خصوصًا بين من يعانون من صدمة عمرية أو خوف من فقدان السيطرة على الزمن، وقد أظهرت الدراسة أن الرجال في هذا العمر غالبًا ما يواجهون الشعور بالفشل أو عدم الإنجاز، حتى وإن حققوا كثيرًا، لأن العقل لا يحصي المنجزات كما يحصي الخسارات.

لكن في مقابل هذا، أظهرت دراسة أخرى من جامعة ستانفورد عام 2021 أن الأشخاص الذين يتصالحون مع فكرة التقدم في العمر، ويعيدون تعريف “النجاح” و”القيمة”، يعيشون السنوات التالية بدرجات أعلى من الرضا، وأكثر قدرة على الاستمتاع بالحاضر دون اجترار الماضي أو رعب المستقبل.

الأربعون من المفترض ألا تعني النهاية، كونها اللحظة التي نخلع فيها النظارة الوردية، ونرى الأشياء كما هي، لا كما تمنيناها، اللحظة التي نتعلم فيها أن التوقعات غير الواقعية أثقلت كاهلهنا أكثر من خيبات الحياة نفسها، وأن النضج لا يعني قبول كل شيء، بل اختيار ما يستحق أن نقبله.

فهل أملك الشجاعة لأنظر للزمن في عينيه وأصافحه دون وجل؟

هل أستطيع أن أمنح ما تبقى من عمري قيمة، بدل أن أندب ما مضى منها؟

أم أن الأربعين ستظل لعنة أخشاها، بدل أن تكون بوابة لحكمة تأخرت كثيرًا في الوصول؟

الإجابة التي امتلكها اليوم على كل هذه التساؤلات هي أنني لا أزال شابًا ثلاثينيًا حتى 10 سبتمبر المقبل.. ولكل حادثة حديث!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى