عمر غازيكُتاب الترند العربي

عبد المال

عمر غازي

في إحدى الليالي الباردة من شتاء 1941، تلقى جان مولان، أحد رموز المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي، عرضًا سخيًا من حكومة فيشي المتواطئة، مقابل أن يكشف عن شبكات المقاومة، كان العرض مغريًا بما يكفي ليؤمن له ولأسرته حياة مترفة في بلد آمن، لكنه ردّ بجملة واحدة سجلها التاريخ: “أعيش فقيرًا وأموت وفيًا، خير لي من أن أعيش غنيًا بخيانة.”

هذه القصة، رغم قِدمها، لا تزال تتكرر بأشكال مختلفة، في ملاعب الكرة، في المؤسسات، وحتى في البيوت، حيث المال لا يُفسد النفوس، بل يكشف حقيقتها.

هناك من يعتقد أن الشرف يُقايض، وأن الوفاء سلعة في السوق، تُقدَّر قيمتها بالعرض الأكبر، وهؤلاء حين ترتفع أرقام العقود، يسقطون من حيث لا يعلمون، يتنكرون لمن صنع مجدهم، ويعتقدون أن التاريخ يمكن تجاوزه بمجرد مؤتمر صحفي، أو تصريح مموَّه، أو جملة اعتذار باردة.

المال ليس عيبًا، لكنه يصبح لعنة حين يكون هو الدافع الوحيد للقرارات، والسبب الوحيد للرحيل، فبعض اللاعبين لا يرحلون لأنهم وجدوا فرصة أكبر، بل لأنهم لم ينتموا يومًا، كانوا فقط عابرين على قميص لم يحملوه في قلوبهم، وربما لم يشعروا به يومًا، كل ما أرادوه هو منصة للظهور، لا درعًا للانتماء.

فبحسب دراسة أجرتها جامعة أكسفورد عام 2022، فإن 58% من الرياضيين الذين غادروا مؤسساتهم فجأة بعد تلقي عروض مالية ضخمة، واجهوا لاحقًا تراجعًا في الأداء، وانخفاضًا في معدلات الرضا النفسي، مقارنة بمن غادروا بناءً على رؤية واضحة ومسار احترافي متزن، بينما أظهرت دراسة أخرى نشرتها جامعة كوبنهاغن أن الاستقرار النفسي والوفاء المهني يرتبطان بتحقيق أداء أعلى بنسبة 23% في المنافسات عالية الضغط، وهو ما يفسّر سقوط بعض الأسماء التي انتقلت بلمعان المال، وانطفأت بواقع المدرج.

في النهاية، الفرق بين من يرحل بعزة، وبين من يرحل بلا وداع، ليس في توقيع العقد، بل في موقفه من القيم التي حملها، وفي تقديره للناس الذين وقفوا خلفه، وصدقوا فيه وهم لا يملكون إلا التصفيق، أولئك الذين يُسمّون “الجمهور”.

السؤال الذي يبقى:

هل يشتري المال كل شيء؟ أم أن هناك أثمانًا لا تُدفع بالعملة، بل تُسجل في دفاتر الوفاء؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى