المواطنة الرقمية

عمر غازي
في عام 2010، أثار شاب أمريكي يُدعى تايلر كليمنتي جدلاً واسعًا بعدما تعرض لحملة تنمر إلكتروني انتهت بقرار مأساوي أنهى حياته، كان كليمنتي مجرد طالب جامعي، لكن ما حدث له كشف للعالم أن الإنترنت ليس مجرد فضاء افتراضي بلا عواقب، بل هو امتداد للحياة الحقيقية بكل ما فيها من أخلاق، مسؤوليات، وحقوق، منذ ذلك الحين، بدأ الحديث يتزايد حول مفهوم “المواطنة الرقمية”، المصطلح الذي لم يعد رفاهية فكرية، بل ضرورة حتمية لفهم مسؤولياتنا وسلوكياتنا في العالم الرقمي.
المواطنة الرقمية ليست مجرد استخدام الإنترنت، بل هي طريقة تفكير وسلوك تعكس مدى وعي الفرد بمسؤوليته في هذا الفضاء، حيث أظهرت دراسة أجرتها جامعة هارفارد عام 2021 أن 73% من الشباب يستخدمون الإنترنت يوميًا، لكن 45% منهم لا يدركون تمامًا تأثير سلوكهم الرقمي على الآخرين، مما يعني أن الاستخدام الواسع للتكنولوجيا لم يترافق دائمًا مع مستوى كافٍ من الوعي الرقمي، وهذا ما يجعل الإنترنت أحيانًا ساحة فوضوية مليئة بالمعلومات المضللة، والتنمر، وانتهاك الخصوصية.
لكن ماذا يعني أن تكون “مواطنًا رقميًا”؟ ببساطة، المواطنة الرقمية تعني ممارسة الحقوق والواجبات في العالم الرقمي بنفس الطريقة التي يُمارس بها الفرد مواطنته في الحياة الحقيقية، فكما أن الحرية في العالم الواقعي لها حدود، كذلك الإنترنت يجب أن يُستخدم بمسؤولية، فبحسب تقرير صادر عن منظمة اليونسكو عام 2022، فإن الدول التي أدخلت مفاهيم المواطنة الرقمية في مناهجها الدراسية شهدت انخفاضًا بنسبة 30% في حالات الجرائم الإلكترونية، وهو ما يؤكد أن التثقيف الرقمي ليس خيارًا، بل أداة للحد من الفوضى الإلكترونية.
الأمر لا يتعلق فقط بالأخلاقيات، بل يتعداه إلى كيفية التعامل مع المعلومات، فاليوم أصبح كل شخص قادرًا على نشر أي محتوى بضغطة زر، مما يجعل التحقق من صحة المعلومات مسؤولية فردية، حيث وجدت دراسة أجرتها جامعة ستانفورد عام 2019 أن 60% من مستخدمي الإنترنت يشاركون أخبارًا دون التأكد من صحتها، مما يساهم في نشر المعلومات المضللة التي قد تؤثر على قرارات سياسية واجتماعية حاسمة.
لكن لماذا يتجاهل الكثيرون هذه المسؤولية؟ السبب يعود إلى أن الإنترنت، رغم اتساعه، يمنح الفرد شعورًا زائفًا بالخصوصية والحرية المطلقة، وهو ما يجعل البعض يعتقد أنه في مأمن من العواقب، لكن الحقيقة أن الآثار القانونية والاجتماعية للسلوك الرقمي أصبحت أكثر وضوحًا من أي وقت مضى، فوفقًا لتقرير صادر عن الاتحاد الأوروبي عام 2023، فإن 40% من قضايا التشهير والتنمر الإلكتروني أدت إلى عقوبات قانونية صارمة، مما يوضح أن العالم الرقمي لم يعد منفصلاً عن العالم الواقعي.
المواطنة الرقمية ليست مجرد مصطلح أكاديمي، بل هي مهارة أساسية في العصر الحديث، مهارة تعني احترام الخصوصية، التعامل بمسؤولية مع المعلومات، ومحاربة التنمر الإلكتروني، وهنا يأتي السؤال: هل يمكننا بناء بيئة رقمية مسؤولة دون أن نبدأ أولًا بإعادة تعريف علاقتنا بالإنترنت، أم أن الفوضى ستبقى هي السمة المهيمنة على هذا العالم الافتراضي؟