
هل نحن أحياء.. أعطني دليلًا؟
هلا خباز
كعادتي، أصل مبكرة دائمًا إلى مواعيدي، أشرب فنجان القهوة الأول وحدي، أنتظر وصول الأصدقاء لأجدد القهوة.. أتأمل وجوه الجالسين والمارين على عجالة، يلفتني سؤال وجهه شخص مقابلي لمحدثه على الهاتف: “هل أنت حي؟”
لم أعرف، بطبيعة الحال، مناسبة العبارة التي نطلقها على كل من يختفي أو يتأخر بالرد، ولكنها أخذتني بعيدًا تمامًا.. هل أنا حية؟ هل أعيش الحياة أم أنها تعيشني واعتدت على ذلك؟
أستطيع أن أؤكد أني الآن أفضل حالًا، وبأني أحيا شكل وطاقة العشرينات المفقودة من عمري.. لا بأس، المهم أن أتدارك ما مضى وأنهل مما هو آتٍ.
هل نحن أحياء، أم أننا أموات نراقب سير حياتنا من بعيد؟
هو سؤال وجودي يستفز أعماق الذات البشرية ويستشعر كينونتها.. لماذا أنا هنا الآن؟
نأكل، نشرب، نعمل، نتزوج… هل هذه هي الحياة؟!
إن كان كذلك، فنحن لسنا أحياء، نحن نقتات الحياة، نمارسها بروتين لا نقول معه إلا: “الحمد لله”..
هل مارست الحياة حقًّا؟ هل استكشفتها؟ هل توغلت بها؟
متى آخر مرة غادرت بها منطقة راحتك؟
متى آخر مرة حققت فيها أمنية بعيدة؟
غامرت؟ سافرت؟ غنيت؟ رقصت؟
متى آخر مرة عشت؟
أسئلة قد لا تعجب الكثيرين، ولكنها اللمبة التي ستشتعل فوق رأسك مرة واحدة في العمر على الأقل، ولأكون صادقة، اللمبة تشتعل فوق رأسي بشكل دائم!
تقول الروائية التركية أليف شافاق في قواعد العشق الأربعون: “لا تحاول أن تقاوم التغييرات التي تعترض سبيلك، بل دع الحياة تعيش فيك. ولا تقلق إذا قلبت حياتك رأسًا على عقب، فكيف يمكنك أن تعرف أن الجانب الذي اعتدت عليه أفضل من الجانب الذي سيأتي؟”
لست شجرة حتى أنمو في مكاني بنفس الظروف، بتعاقب الليل والنهار، أسقى نهارًا، أثمر في فصول معينة، تتساقط أوراقي في فصل الخريف، أذبل صيفًا، أزهر ربيعًا، أتيبس شتاءً.. وأنا لا أبرح مكاني..
هل أنت شجرة؟
صدق دوستويفسكي حينما قال: “لا بد لكل إنسان من أن يجد ولو مكانًا يذهب إليه، لأن الإنسان تمر به لحظات لا مناص له فيها من الذهاب إلى مكان ما، إلى أي مكان”!
أين هو مكانك القادم؟ حلم طفولتك الذي خفت كثيرًا من تحقيقه؟ أمنيتك التي وضعت بينك وبينها ألف حساب وحساب؟ أين أنت؟
مضى العمر دون أن أشعر حتى بلغت الأربعين.. الواحد والأربعين.. الثلاث والأربعين.. وبعد أربعة أشهر، الخامس والأربعين.. بغمضة عين، وبقائمة من الأحلام والأهداف التي تنتقل معي ليلة 31 ديسمبر، ولا شيء يحدث..
كم أكره جوابي حينما يسألوني بعد انقطاع عن حالي: “الحمد لله على حطة إيدك”..
مؤلم هو ذلك الشعور بأن كل شيء حولك يتحرك وأنت ثابت على حالك.. لا تصدق أجدادك حينما قالوا: “من ثبت نبت”.. لا، من ثبت شاخ ومات وهو لم يستمتع بفضل الله وبنعمه.
كبرت.. نعم، لم أدركها وأنا أمارس يوغا الوجه لكي أخفي تعابير السنين، ولكني أدركتها حينما فقدت الكثير من الأصدقاء ونعيتهم بمنشور: “الله يرحمك، بكرت كثيرًا”.
لا تعش أيامًا متشابهة، أيامًا تتعاقب فيها الوجوه، أيامًا تتشابه فيها أفعالك، تمارس الحياة كطقس رتيب لا جديد فيه.. عش الحياة وأنت حي، استمتع.
كن من الذين يسرقون لحظات الفرح، يعيشون التفاصيل، يراقبون الجديد، يقتحمون الحياة عنوة..
يقول باولو كويلو: “عندما تكون الأيام تشبه بعضها بعضًا، فهذا يعني أن الناس قد توقفوا عن ملاحظة الأشياء الطيبة التي تخطر في حياتهم، طالما أن الشمس تعبر السماء باستمرار”.
لا تكن منهم.. راقب الشروق وأنت تشرب قهوتك على صوت فيروز، خطط لزيارة المدينة التي أحب فيها أبطالك المفضلون بعضهم في أول فيلم ابتسمت أمامه، تعلم على آلة موسيقية تعجبك، غني وكأن لا أحد يسمعك سوى أمك، حقق قائمة أحلامك..
عش الحياة، غُص في أعماقها وتلذذ بتفاصيلها.. حاول..
أرجوك، لا ترحل وأنت لم تحيا.. لا ترحل وأنت لم تفعلها!