الوهم الجميل

عمر غازي
في أحد استطلاعات الرأي التي أجرتها جامعة هارفارد عام 2021، أظهرت النتائج أن النساء اللاتي يتلقين معدلات مرتفعة من الإطراءات والمغازلات في سنوات شبابهن يطورن تصورًا مبالغًا عن قيمتهن الاجتماعية، وعند بلوغهن الثلاثين، يبدأ هذا التصور في الانهيار، وكأنهن يكتشفن فجأة أن الإعجاب لم يكن انعكاسًا حقيقيًا لمكانتهن، بل مجرد استجابة طبيعية لعوامل بيولوجية واجتماعية، وهنا تبدأ أزمة الهوية، حين تتحول “الملكة” إلى فرد عادي في مجتمع لا يمنح التاج لأحد دون سبب حقيقي.
في العصر الرقمي، أصبح من السهل أن تعيش المرأة داخل فقاعة من الاهتمام المزيف، فبضغطة زر، تنهال عليها الإعجابات والتعليقات التي تُشعرها بأنها مختلفة، مميزة، لا شبيهة لها، حيث أظهرت دراسة أجرتها جامعة أوكسفورد عام 2020 أن النساء اللاتي ينشطن بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر عرضة بنسبة 75% لتطوير “وهم التفرد”، أي الاعتقاد بأنهن يتمتعن بجاذبية أو مكانة أعلى مما يعكسه الواقع الفعلي، لكن ما إن يتغير السياق، وتنخفض معدلات الاهتمام، حتى يواجه العقل صدمة حقيقية، كأن مرآة العالم قد تحطمت فجأة أمامهن.
المجتمع، بطبيعته، لا يتعامل مع الجاذبية كمفهوم ثابت، فالمقاييس تتغير، والعمر يفرض قوانينه، وهنا تحدث المفارقة، إذ أن نفس الأشخاص الذين كانوا يغرقون المرأة بالإطراء في العشرينيات، قد يصبحون غير مبالين بوجودها بعد سنوات، ليس لأن قيمتها الحقيقية تغيرت، بل لأن ديناميكيات الاهتمام تتبع منطق العرض والطلب، فبحسب دراسة نشرتها جامعة كاليفورنيا عام 2019، فإن النساء تحت سن الثلاثين يتلقين معدلات اهتمام على وسائل التواصل الاجتماعي تفوق الرجال بثلاثة أضعاف، لكن بعد الثلاثين، تنخفض هذه المعدلات بنسبة 40%، ما يخلق شعورًا بالارتباك، وكأن العالم قد أدار ظهره فجأة دون سبب.
لكن السؤال الحقيقي ليس عن التغير، بل عن إدراكه، فهل كانت المغازلات والإعجابات معيارًا حقيقيًا للقيمة؟ أم مجرد استجابة طبيعية لمراحل عمرية لها قوانينها؟ إذا كانت المرأة تقيس مكانتها الاجتماعية بعدد الرسائل والمجاملات، فماذا ستفعل حين تتراجع هذه المؤشرات؟ وإن كان الغرور نتيجة لمغازلات سطحية، فهل التواضع لا يأتي إلا بعد أن تتوقف؟
الحقيقة أن الثقة الحقيقية لا تُبنى على انعكاسات مؤقتة، بل على وعي أعمق بالذات، فالملكة الحقيقية ليست من تعتقد أن التاج يأتي من الإطراءات، بل من تدرك أن قيمتها ليست رهن نظرة الآخرين، وهنا يبقى السؤال: هل ما نراه في المرآة هو حقيقتنا؟ أم مجرد انعكاس مؤقت لزوايا الضوء من حولنا؟