الأسرة والمجتمععمر غازيكُتاب الترند العربي

لا تذكروا محاسن موتاكم!

عمر غازي

قضية التعامل مع وفاة المخالفين أو الخصوم سواء في السياسة أو الفكر من القضايا الشائكة ذات الحساسية المفرطة، إذ يفصل فيها بين الإنسانية وانعدامها وبين العقل والعاطفة، وبين المبدأ واللا المبدأ، خيط رفيع!

ربما يكون الإرث التراثي الذي نحمله في ذاكرتنا الجمعية عاملاً مساهما في هذا الالتباس وهو حديث (اذكروا محاسن موتاكم، وكفُّوا عن مساويهم)، على الرغم من أنه من الأحاديث الضعيفة من حيث السند إذ لا تثبت صحته وبالتالي لا يعتد به كمقولة ذات قدسية، وإن كان يحمل بعداً آخر أخلاقي من جهة، ومن جهة أخرى يكون مرد الاستشهاد بهذه المقولة والعمل بها مربوط بالجانب الشخصي للمتوفي، إذ ليس من المروءة الخوض في أعراض الأحياء فضلا عن المتوفين، كما أن الشماتة في الميت أو التشفي في الوفاة ليست من أخلاق النبلاء إذ الموت كأس وكل الناس شاربه!

لكن الإشكالية تزداد تعقيداً في حالة كان هذا المتوفى شخصية عامة، ذات فكر أو أيدولوجيا مغايرة، وكان التماهي في التعاطف معه، أو السكوت وقت موته، بمثابة صك غفران عن مساوئ فكره الذي لن تتوقف تبعاته بموته، أو ربما قد يستغل أتباعه حالة التعاطف لتمرير أجندة ما، فيلجأ البعض إلى إثبات موقف، عوضا عن التعزية أو الصمت، قد يخرج في أحيان كثيرة من نطاق الإنسانية، ربما ليس رغبة في التشفي وإنما خشية من طغيان عواطف الناس على صوت العقل والضمير، فما الحل إذن؟

من خلال النظر في مثل هذه الوقائع وملابساتها على مدار العقود القليلة الماضية يمكننا أن نخرج بأمرين:
الأول: غلبة العاطفة على كثير من الناس خصوصا إذا كانت الموتة بشعة، أو كانت ملابسات الوفاة تحمل في طياتها شيئا يدفع للتعاطف، حتى وإن كان المتوفي أو المقتول طيلة حياته مجرما، أو إرهابيا، أو ديكتاتورا، ولذا فإن أي محاولة لإثبات الموقف الفكري قد تؤدي لنتائج عكسية.
الثاني: أن هذه العاطفة مؤقتة ولحظية والتعامل الأمثل يكون بالابتعاد عن الجدل البيزنطي، أو إثبات الموقف الصدامي إلى مابعد مرور العاصفة.

وعليه، فكما يقال فإن لكل حادثة حديث، ولكل مقام مقال، ويظل التاريخ هو الشاهد الأول والأخير، فعاطفة الموت لن تحجب الحقائق بغربال، إذا ما أحسن التعامل مع ردود الفعل العاطفية الآنية من الجماهير، التي عادة ما تتلاشى وتستقر في ذاكرة السمكة سريعا، والشواهد حولنا كثيرة فكم رأينا حولنا ممن يحملون فكراً متطرفا أو شاذا أو إجراميا بالرغم من التعاطف معهم عند موتهم، لم يبقى لهم اليوم إلا أفكارهم وأفعالهم كشاهد عليهم تطاردهم بالعار والشنار ليل نهار، وإذا علمنا هذه الحقائق فأعتقد أننا لسنا لحاجة لانتهاك حرمة الموت لإثبات موقف ما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى