
نشر ثقافة الإيثار في بيئة العمل
حسن آل عمير
الإيثار قيمة عظيمة من القيم المهمة التي ترتقي بالأفراد والمجتمعات. ويزداد أثر هذه القيمة إشراقًا في بيئة العمل، حيث يعمل الأفراد مع بعضهم لتحقيق أهداف منظماتهم.
وكما نعلم، فإن أهداف الموظفين يجب أن تصب أولاً في مصلحة المنظمة، وهي المصلحة العامة، ثم تتحقق تلقائيًّا أهدافهم الخاصة.
قد تتقاطع بعض الرغبات الخاصة للموظفين والمصالح مع بعضها، وقد يكون هناك ميزة يصعب على المسؤول تقديمها للجميع وفي الوقت نفسه، ولا يمكن أن تكون متاحة إلا لعدد محدد؛ لذا تأتي قيمة الإيثار والتنازل عن بعض المميزات لزملاء العمل، ومراعاة مصالحهم دون عناد أو مشاحنة.. وهذا يعكس نُبل النفس وكرمها.
وقد أثنى الله سبحانه وتعالى على أهل الإيثار في قوله {ويؤثرون علىٰ أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ۚ ومن يوق شح نفسه فأو۟لٰٓئك هم ٱلمفلحون}. وكما قال النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”.
في بيئة العمل يمكن للإيثار أن يظهر ويتجلى في أشكال متعددة، مثل تقديم الدعم لزميل جديد، والتنازل عن فرصة لزميل يرى فيها مستقبله المهني، أو دورة تدريبية لا توجد إمكانية إلا لمشاركة موظف أو اثنين، أو حتى الامتناع عن التشكي والانتقاد المستمر للزملاء.. فالتسامح مع أخطاء الآخرين، وتمنِّي الخير لهم، هو أساس بناء علاقات إيجابية، تُسهم في استقرار الأجواء العملية، وتحقيق النجاح المشترك.
إنَّ للإيثار أثرًا بالغًا في تعزيز روح الفريق، وبناء علاقات قوية ومتينة بين زملاء العمل.
عندما يختار الموظف أن يتحمل مهام وظيفية إضافية في عام مُعيَّن؛ ليتيح لزميله فرصة للتركيز على مهام ومسؤوليات أقل، فإن هذه المبادرة الرائعة تخلق جوًّا من الثقة والاحترام المتبادل.
وقد يأتي العام التالي ليبادر الزميل برد الجميل، وتحمُّل جزء من الأعباء؛ ما يحقق التوازن في توزيع الجهود.
مثل هذه التصرفات تجعل أساس العلاقات بين الزملاء قائمًا على الدعم المتبادل، وليس على المنافسة السلبية وتقديم حظوظ النفس على مصلحة العمل.
فتقديم العلاقات الإنسانية والاجتماعية على المصالح الفردية يوجِد بيئة عمل صحية مليئة بالود والاحترام.
ولنتذكر أن ما يأتي لزميلك في العمل هو بوجه من الوجوه كأنه لك؛ لأن نجاح الزملاء يعزز من سمعة الفريق بأكمله، ويصب في مصلحة الجميع.
وعندما تتنازل عن بعض الحقوق أو الامتيازات بروح طيبة فإنك تبني جسرًا من الثقة والمحبة بينك وبين زملائك، وتكسب تقديرهم واحترامهم.
فعلى المسلم أن يكون متسامحًا متجاوزًا عن صغائر الأمور، محتسبًا الأجر عند الله. فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “رحم الله رجلاً سهلاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى”. وهنا دعوة لليسر واللين واللطف مع الآخرين.
إن زيادة حدة المنافسة السلبية داخل بيئة العمل، ورغبة البعض في الاستحواذ على كل شيء، وتجاهُل البقية، أمرٌ مؤذٍ، ولا يقود المنظمة إلا للشحناء والفُرقة، ويزيد من طاقة الغل والحقد داخل بيئة العمل.
وعلاج هذا الأمر في الارتقاء بالتفكير، وتغليب النية الحسنة، وتذكير فريق العمل لبعضهم بأنهم يعيشون كأسرة واحدة، ويجب أن يقدموا تنازلات فيما بينهم، ويجعلوا الإيثار أسلوب حياة؛ حتى يسهل العمل، وتزيد الطاقة الإيجابية والأُخوَّة والمحبة بين الجميع.
ختامًا، الإيثار لا يعني التفريط في الحقوق دائمًا، لكنه دعوة للتنازل بوعي وحب حينما يكون في ذلك نفعٌ وفائدة للآخرين.. فبقدر ما تمنح وتعطي بطيب خاطر ونقاء نفس فإن ذلك يعود إليك -بإذن الله- بالبركة والرضا في حياتك وعملك.
المصدر: سبق