عمر غازيكُتاب الترند العربي

الصمت.. حين يصبح تهمة

عمر غازي

في إحدى الجلسات العائلية، دخل رجل في نقاش حاد مع زوجته، لكنه فجأة التزم الصمت، تركها تتحدث بينما جلس يستمع دون ردود، مرت دقائق، ثم ساعات، ثم أيام، ومع استمرار صمته، بدأت تفسر الأمر على أنه عقاب متعمد، شعرت بالإهمال، ثم قرأت عن “النرجسية الخفية”، ووجدت أن الصمت قد يكون أداة يستخدمها النرجسيون للتلاعب العاطفي، فهل كان زوجها نرجسيًا أم أن الأمر أكثر تعقيدًا مما يبدو؟

في السنوات الأخيرة، أصبح الصمت في النزاعات يُفسر على أنه تلاعب، وأصبح من يفضل عدم الخوض في جدال متكرر متهمًا بأنه شخص نرجسي، يتعمد تجاهل الطرف الآخر لإضعافه نفسيًا، لكن هل كل من يلتزم الصمت متلاعب؟ وهل الصمت دائمًا وسيلة عقابية؟ أم أن هناك أسبابًا أخرى تدفع البعض لعدم الرد؟

أظهرت دراسة أجرتها جامعة هارفارد عام 2021 أن 58% من الأشخاص يرون أن الشريك الذي يفضل الصمت أثناء الخلافات يُعد متلاعبًا عاطفيًا، ومع ذلك، أوضحت الدراسة نفسها أن 42% من هؤلاء الشركاء يصمتون لتجنب التصعيد وليس بدافع التلاعب، مما يشير إلى أن تفسير الصمت يعتمد على السياق والشخصية، وليس بالضرورة علامة على النرجسية.

لكن لماذا يُتهم الصامتون بالنرجسية الخفية؟ قد يكون السبب هو الفهم الخاطئ للصمت كوسيلة للتجاهل أو العقاب، بينما هو في الواقع آلية دفاعية يلجأ إليها البعض لحماية أنفسهم من التصعيد العاطفي، فبحسب تقرير صادر عن جامعة ستانفورد عام 2019، فإن 45% من الأفراد الذين يلتزمون الصمت أثناء النزاعات يفعلون ذلك لأنهم نشأوا في بيئات كان فيها الصراع العلني أمرًا مرفوضًا أو خطرًا، مما يجعل الصمت لديهم استجابة طبيعية للخلافات.

في العلاقات الزوجية، قد يُفسر الصمت بطرق مختلفة، بعض الأفراد يرون في الصمت وسيلة لحماية العلاقة من الانفجار، بينما يراه الآخرون تجاهلًا لمشاعرهم، حيث أظهرت دراسة نشرتها جامعة أوكسفورد عام 2020 أن 60% من الأزواج الذين يستخدمون الصمت كوسيلة لحل النزاعات يعانون من تدهور في علاقتهم بسبب انعدام التواصل، مما يعني أن الصمت، إذا لم يُفهم بشكل صحيح، قد يؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها.

رغم ذلك، لا يمكن إنكار أن بعض الأشخاص يستخدمون الصمت كسلاح، حيث أظهرت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا عام 2018 أن 30% من الذين يعتمدون على الصمت في خلافاتهم الزوجية يفعلون ذلك بهدف التحكم في الطرف الآخر وجعله يشعر بالذنب، مما يجعل الصمت في هذه الحالة أداة ضغط وليس مجرد استراتيجية دفاعية، ولكن هذا لا يعني أن كل من يلتزم الصمت هو نرجسي أو متلاعب، بل يجب النظر إلى الظروف التي أدت إلى هذا السلوك قبل إطلاق الأحكام.

لكن السؤال الذي يبقى: كيف يمكن التفريق بين الصمت كوسيلة لحماية العلاقة والصمت كأداة تلاعب؟ وهل يجب دائمًا كسر الصمت أم أن بعض الأمور تحتاج إلى الهدوء أكثر من الكلمات؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى