لماذا لا تنسى المرأة؟
عمر غازي
في فيلم “The Notebook”، المستوحى من رواية نيكولاس سباركس، تجسد شخصية “آلي” مثالًا مؤثرًا على الذاكرة العاطفية القوية التي تتميز بها المرأة، القصة تدور حول “نوح” و”آلي”، عاشقان افترقا بسبب ضغوط الحياة ثم التقيا بعد سنوات، رغم أن آلي كانت تعاني من فقدان تدريجي للذاكرة بسبب مرض ألزهايمر، إلا أن الذكريات العاطفية المرتبطة بحبها لنوح ظلت محفورة في أعماقها، مشهد عودتها لتذكر لحظات الحب الأولى كان تجسيدًا لعمق ارتباط المرأة بتجاربها العاطفية وذاكرتها القوية التي تتجاوز حدود المنطق والزمن.
هذه القصة السينمائية، رغم كونها عملًا دراميًا، إلا أنها تعكس جانبًا حقيقيًا من طبيعة المرأة، حيث أظهرت دراسة أجرتها جامعة ستانفورد عام 2019 أن النساء يتمتعن بذاكرة عاطفية أقوى بنسبة 25% من الرجال، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأحداث ذات الطابع الشخصي والعلاقات الإنسانية، فبينما يميل الرجال إلى تذكر الأحداث كوقائع مجردة، تعيش النساء التفاصيل الدقيقة، الألوان، الكلمات، وحتى المشاعر التي أحاطت باللحظة.
ذاكرة المرأة ليست مجرد أداة لتذكر الماضي، بل هي انعكاس لطبيعة تكوينها النفسي والاجتماعي، المرأة تميل إلى الاحتفاظ بالتفاصيل لأنها ترى في كل لحظة قصة متكاملة، وهذا ما يجعلها قادرة على الربط بين الأحداث وتفسيرها بشكل أعمق، بينما قد يبدو الرجل أكثر عملية في تذكر ما يعتبره ضروريًا فقط، هذا الاختلاف لا يعني تفوق أحدهما على الآخر، بل يبرز تنوعًا في طرق التفكير والتعامل مع الحياة.
لكن، لماذا يعتبر البعض أن ذاكرة المرأة عبء عليها؟ الإجابة تكمن في أن قوة الذاكرة العاطفية تجعل النساء أكثر عرضة للشعور بالحزن أو الألم عند تذكر مواقف مؤلمة، حيث أظهرت دراسة صادرة عن جامعة هارفارد عام 2020 أن النساء اللاتي يعانين من مشكلات عاطفية يميلن إلى استرجاع التفاصيل المرتبطة بتلك المشكلات بنسبة أعلى، مما يؤثر على صحتهن النفسية بشكل أكبر مقارنة بالرجال، ومع ذلك، فإن هذه القدرة على التذكر قد تكون أيضًا مصدرًا للقوة، إذ تتيح لهن التعلم من تجاربهن وبناء علاقات أعمق وأكثر فهمًا.
ذاكرة المرأة ليست مجرد “صندوق أسرار”، بل هي بوابة لفهم طبيعة الحياة، هي الذاكرة التي تحفظ ملامح العلاقات وتغنيها، وهنا يأتي السؤال: هل يمكن أن تُستخدم هذه الذاكرة كوسيلة لبناء حياة أكثر عمقًا وتوازنًا، أم أنها ستظل مرآة تعكس كل لحظة عاشتها المرأة بكل ما فيها من فرح وألم؟ أنا شخصيًا أفضل عدم محاولة الإجابة عن هذا السؤال، فماذا عنكم؟