سوريا بلا بشار
عمر غازي
في ربيع عام 2011، كان السوريون يهتفون في شوارع درعا: “الشعب يريد إسقاط النظام”. لم يكن المشهد جديدًا على المنطقة العربية المشتعلة حينها، لكن ما ميز سوريا هو أن الحاكم، بشار الأسد، اختار أن يجعل من هذه الثورة اختبارًا لصبر شعبه وبطش نظامه، حيث تحولت سوريا لأكثر من 13 عامًا إلى مسرح لصراع دموي معقد، اصطدم فيه طموح الشعب بالحرية مع إصرار نظام استند إلى القمع والدعم الخارجي للبقاء.
النظام السوري الذي ورثه بشار الأسد عن والده لم يكن مجرد نظام سياسي، بل كان شبكة محكمة من الولاءات الطائفية والعسكرية والسياسية، فعندما خرجت أولى المظاهرات، واجهها بشار بآلة قمعية غير مسبوقة، مزجت بين العنف المفرط، والدعاية الإعلامية، والتحالفات الدولية التي حافظت على تماسك نظامه. وفقًا لتقرير الأمم المتحدة لعام 2023، تسبب الصراع في مقتل أكثر من 500 ألف شخص وتشريد أكثر من 12 مليون سوري داخليًا وخارجيًا، مما جعل الأزمة السورية واحدة من أكثر الكوارث الإنسانية تعقيدًا في العصر الحديث.
من الناحية التاريخية، مقاومة الحكام لثورات شعوبهم ليست أمرًا جديدًا. ففي فرنسا، خلال الثورة الفرنسية “1789-1799″، حاول الملك لويس السادس عشر مقاومة المد الشعبي المطالب بالحرية والإصلاح لمدة 4 أعوام بعد اندلاع الثورة، وانتهى به المطاف إلى المحاكمة والإعدام بالمقصلة عام 1793، ليصبح رمزًا للفشل في احتواء الغضب الشعبي.
وفي روسيا، قاوم القيصر نيكولاس الثاني الثورة الروسية لعام 1917 لمدة 8 أشهر قبل أن يُجبر على التنازل عن العرش. ورغم محاولاته استعادة السيطرة من خلال القمع العسكري والدعم الأرستقراطي، إلا أن التمرد الشعبي أزال النظام القيصري تمامًا.
أما نيكولاي تشاوشيسكو في رومانيا، فقد قاوم الثورة الرومانية التي اندلعت في ديسمبر 1989 لمدة 10 أيام فقط. كانت محاولاته لإخماد الاحتجاجات عنيفة، لكن سرعان ما انهارت سلطته عندما تخلت عنه القوات الأمنية، ليُعدم مع زوجته في نهاية الشهر ذاته.
سوريا الآن ليست فقط أمام تحدي إعادة الإعمار، بل أمام امتحان لتوحيد الصفوف وتجنب الانقسامات التي شهدتها دول مثل اليمن وليبيا بعد سقوط أنظمتها، ففي اليمن، أدى غياب التوافق الوطني إلى صراعات متعددة الأطراف، حيث انقسمت البلاد إلى مناطق نفوذ متفرقة، وفي ليبيا، تحولت البلاد إلى مسرح لصراعات داخلية وحروب بالوكالة بين قوى دولية وإقليمية، مما أدى إلى تفاقم الفوضى.
لتجنب مصير مشابه، يحتاج السوريون إلى بناء رؤية موحدة للمستقبل، والعمل على تعزيز المصالحة الوطنية وتجنب الانقسامات الداخلية، كما أن التعاون مع المجتمع الدولي يجب أن يكون مدروسًا لضمان عدم تكرار السيناريو الليبي، حيث أسهم التدخل الخارجي في تعميق الأزمات بدلًا من حلها.
التاريخ يعلمنا أن سقوط الأنظمة هو البداية، وليس النهاية، ونبقى أمام السؤال الأهم: هل يتعلم السوريون من تجارب الماضي ليبنوا وطنًا يعكس تطلعات جميع أبنائه؟ أم أن البلاد ستدخل في دوامة جديدة من الصراع والانقسام؟ الإجابة ستحدد مستقبل سوريا لسنوات قادمة.