كُتاب الترند العربيعمر غازي

الفندقة والضيافة.. قوة ناعمة

عمر غازي

في أحد الفنادق الصغيرة وسط مدينة كيوتو اليابانية، يستقبلك مضيف بابتسامة دافئة، يطلب منك خلع حذائك عند الباب، ويقدم لك كوبًا من الشاي الأخضر المصنوع بعناية، لم تكن هذه مجرد خدمة فندقية، بل كانت نافذة إلى عمق الثقافة اليابانية، حيث تتداخل التفاصيل الصغيرة مع قيم الضيافة الراسخة في تقاليدهم، فما يبدو بسيطًا في ظاهره، يحمل في جوهره رسالة ثقافية عميقة، تُظهر كيف يمكن للفندقة أن تكون أكثر من مجرد صناعة؛ أن تصبح قوة ناعمة، تُعرّف بها الشعوب نفسها للعالم، وتفتح آفاقًا للتفاهم الإنساني.

الفندقة والضيافة، في جوهرهما، ليستا مجرد تقديم خدمات مادية للزوار، بل هما تجربة ثقافية وإنسانية، تعكس هوية المجتمعات وقيمها. الدول التي تتبنى هذا المفهوم لا تسعى فقط لجذب السياح، بل تقدم صورة حضارية تعزز مكانتها على الساحة الدولية، ففي تقرير نشرته منظمة السياحة العالمية عام 2022، وُجد أن 68% من المسافرين يختارون وجهاتهم بناءً على التجارب الثقافية والضيافة التي تقدمها تلك الوجهات، مما يؤكد أن الضيافة أصبحت إحدى أدوات التأثير الثقافي.

قدمت اليابان للعالم بفضل فلسفة “الأوموتيناشي“، مثالًا فريدًا على كيفية تحويل الضيافة إلى عنصر جذب ثقافي. هذه الفلسفة التي تُعنى بالتفاصيل الدقيقة وتجعل الزائر يشعر وكأنه في منزله، ساهمت في تعزيز صورة اليابان كدولة تجمع بين الحداثة والتقاليد. وفقًا لتقرير أصدره البنك الدولي عام 2021، حققت السياحة في اليابان إيرادات تجاوزت 45 مليار دولار، مع تركيز كبير على إبراز الثقافة المحلية من خلال الفندقة.

من الأمثلة الناجحة أيضًا في توظيف الفندقة كقوة ناعمة، الإمارات العربية المتحدة، حيث نجحت في مزج التقاليد العربية بالحداثة، لتصبح الفنادق في دبي وأبوظبي وجهات تعكس قيم الكرم العربي في أبهى صورها.

تجربة “بيت الضيافة الإماراتي”، التي تقدم للزوار تجربة عيش الثقافة البدوية الأصيلة، لم تكن مجرد مشروع سياحي، بل كانت رسالة للعالم تعبر عن التراث الإماراتي، ففي تقرير صادر عن مجلس السياحة الإماراتي عام 2022 أشار إلى أن 85% من زوار الإمارات وصفوا تجربتهم الفندقية بأنها “انعكاس حقيقي للثقافة المحلية”.

ولذلك ليس من المبالغة النظر إلى الضيافة بوصفها أداة من أدوات الدبلوماسية الشعبية، أو قوة ناعمة إن جاز التعبير لديها القدريد على المساهمة العلاقات بين الدول والشعوب، ففي الوقت الذي تُستخدم فيه الفندقة لتقديم تجربة مريحة، تُصبح أيضًا وسيلة لتعريف الشعوب ببعضها البعض، وتوطيد الروابط الثقافية، بحسب ما أظهرته دراسة أجرتها جامعة أكسفورد عام 2020، حيث أشارت إلى أن تحسين تجربة الضيافة يزيد من احتمالية عودة الزائرين بنسبة 60%، وهو ما يعزز العلاقات الاقتصادية والسياحية بين الدول.

ما يجعل الفندقة قوة ناعمة فعالة هو قدرتها على تعزيز الهوية الثقافية وتقديم تجربة شخصية وعاطفية للزوار، فالتجارب الإيجابية تخلق ذكريات عاطفية لدى الزوار، مما يساهم في بناء صورة إيجابية عن الدولة، ولذا فإن الفنادق التي تدمج الابتكار مع الاستدامة تُظهر التزامها بالقيم الإنسانية والبيئية، مما يعزز مكانتها دوليًا، ومع ذلك، هناك تحديات تتعلق بالموازنة بين تقديم تجربة عالمية والحفاظ على الأصالة الثقافية، بحسب ما كشفه تقرير صادر عن منظمة السياحة العالمية عام 2021، حيث أظهرت الاحصائيات أن 45% من الزوار يبحثون عن تجارب تجمع بين الراحة والاتصال العميق بالثقافة المحلية.

الفندقة ليست مجرد صناعة خدمية؛ إنها مرآة تعكس روح المجتمعات وأخلاقها، من كيوتو إلى دبي، تُظهر التجارب أن الضيافة قادرة على بناء الجسور بين الشعوب، وتجاوز الحواجز الثقافية، ففي عالم يزداد انقسامًا، ربما تكون الضيافة هي الجواب الذي يُعيد تعريف معنى الإنسانية، ويثبت أن الكرم والترحاب، في جوهره، أحد أقوى أشكال القوة الناعمة.

المصدر: إم إيه هوتيلز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى