حين يعود الماضي بابتسامة
د. أشرف كردي
هناك كلمات توقظ فينا شعورًا دفينًا، وكأنها مصباح يضيء زوايا كنا نعتقدها مظلمة داخلنا. مؤخرًا قرأت مقالة لصديقتي الأستاذة هلا خباز، تناولت فيها الحنين والذكريات بطريقة عميقة وشاعرية. كلماتها كانت كأنها مفتاح لصندوق مخبأ في داخلي، فتحت لي أبوابه برفق، لتخرج منه مشاهد وذكريات كنت أظنها قد خفتت مع الزمن. أعادتني إلى لحظات لا تزال محفورة في قلبي، وإلى شخص كان ولا يزال ركنًا أساسيًا من روحي: جدي، الذي كنت أسميه بحب “ددو قطر”.
كانت رحلتنا عادةً يوم الجمعة، كنت لا أتعدى السابعة من عمري، ونبدأ يومنا بركوب الترام من المحطة القريبة من بيته إلى محطة الرمل. أتذكر جيدًا كيف كنا نمشي معًا نحو المحطة، وهو يتوكأ على عصاه ويرتدي طاقيته المميزة. كلما رأيت أي ترام أو قطار، أبتسم وأتذكره. وكان المشهد عند وصولنا إلى محطة الرمل، آخر الخط، محفورًا في ذاكرتي. كنا نشتري بارود مسدس الصوت ونتجول في وسط البلد. لا أتذكر كل التفاصيل، لكنها محفورة في قلبي كحالة من السعادة الخالصة مجرد وجودي بجانبه كان كافيًا ليشعرني بالأمان والفرح.
أتذكر أيضًا قصصه قبل النوم، عن الرسول والأنبياء. لم أدرك حينها أنها تُحفر داخلي لتُحفظ. والآن، كلما قرأت أو سمعت هذه القصص من جديد، تظهر أمام عيني فجأة وكأنها تنتظر وقت استدعائها.
كنت أنام بجانبه أحيانًا، وأستيقظ على صوته وهو يقوم لصلاة الفجر، ثم يجلس ليقرأ القرآن بعدها كنت أنظر إليه دون أن أفهم الكلمات، لكن المشهد كان مهيبًا، مليئًا بالسكينة والإيمان، وكأنه درس صامت في الطمأنينة.
أعجبتني جدًا فكرة استرجاع الماضي في المقال. أحيانًا أتساءل، هل الحنين هو للأشخاص والمكان بالفعل؟ أم أنه حنين لأنفسنا في تلك اللحظات؟ أحيانًا أشعر أنني أشتاق للشخص الذي كنت عليه وأنا مع جدي، ذلك الطفل الذي كان يشعر بالأمان والسكينة في حضوره.
شكرًا يا هلا، على كلماتك التي نبشت هذا الجزء الجميل من ذاكرتي، وأعادتني للحظات لا تُنسى مع إنسان لا يُنسى.
رحم الله جدي العزيز وكل أجدادي الذين كان لهم أثر في حياتنا، ورحم الله كل من نحب وغابوا عن عالمنا، لكنهم ما زالوا يعيشون في قلوبنا وذكرياتنا.