كُتاب الترند العربي

لو لم تكن معي.. فأنت معي

هلا خباز

في غُضُم كل تلك الفوضى العارمة التي تدور حولنا، والتي نعيش وسطها وتعيش داخلنا، منذ أكثر من عشر سنوات لم يهدأ عالمنا، حتى وإن عشنا خارج تلك الحدود، لا نملك إلا أن نكون داخلها شئنا أم أبينا.

روابط عدة.. جذرٌ وعائلة، صحبةٌ وصندوقُ ذكريات، أغنيةٌ وفيلمٌ أبيض وأسود.

وبعد كل هذا.. كل جلساتنا تُفضُّ بسبب وجهات النظر، والمجموعة تنقص لا لشيء.. فقط لأننا اختلفنا. ولا نتحدث هنا عن السياسة واختلاف المعتقد فقط، بات اختلافنا يدور حول إنسانيتنا، حول هويتنا، حول كل شيء. المهم أن نختلف وأن نخرس صوت الآخر.

نحن نطبق ما قاله الشاعر والمؤلف أوسكار وايلد: “في جميع مسائل الرأي، فإن خصومنا في الرأي مجانين!”.

إن قبول الآخر.. واحدة من أخطر المشكلات التي تطال مجتمعاتنا في الوضع الراهن. أفكارنا ومعتقداتنا هي شأننا الخاص، وهي نتاج تجاربنا وما نؤمن به، ولا يحق لنا فرضها على الآخر مهما كان. وبطبيعة الحال، فإن الكثير من الأشياء حولنا غير قابلة للقياس لأنها تحتمل الأوجهَ العدة، تحتمل الخطأ والصواب، وتخضع لمعايير تخص مجتمعاتنا ونشأتنا وطريقة تربيتنا.

إقصاءٌ وتصنيف، وضغائنُ شخصية، صراخٌ وفنجانُ قهوةٍ باردٌ لأن صاحبه ترك المجلس، هي نتيجة حتمية بعد كل رأي يُطرح ضمن مجموعة في مجالسنا بين أهلنا وأصدقائنا.

لأن كل ما نفعله هو شخصنةُ الأمور والرغبةُ الملحة في إحراج الآخر، والاختلاف مع صاحب الرأي لا مع الرأي نفسه. وهذا ما أكده أرثر شوبنهاور: “لو أردت معرفة رأيك الصحيح بشخص ما، فقط راقب رد فعلك عندما تسمع أو يصلك منه أول حرف”.

ضحكوا علينا حينما جعلونا نردد: “اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية”، والحقيقة هي أن الاختلاف ينسف قضايانا، يلغي وجودنا، يقصينا، ويفسد ودنا المتأرجح أساسًا.

أتعلمون من هو الخاسر الأكبر؟ هو المختلف المحترم، الذي يطرح رأيه دون تعصب أو تحيز، هو المؤمن بحرية الآخرين، هو من لا يعمم، هو من لا يطرح رأيًا لكل موضوع أو قضية.

وهنا لا نطالب بأن نتفق مع المختلف عنا، جل ما نطلبه هو أن نحترمه، أن لا يحتدم الحوار والانقسام في الرأي معه، أن لا تتحول مجالسنا لأرض معارك لفظية، للنقد اللاذع، للاستهانة بالمشاعر والأفكار، لتسطيح الآراء والحط من وجهات النظر. وللإمام الشافعي مقولة توضح ماهية الاختلاف، حيث قال: “إن اختلافي معك في الرأي لا يعني أنني أكرهك، أو أحتقر عقلك، أو أزدري رأيك. أنت أخي ولو بقينا الدهر كله مختلفين”.

وهنا يقول علي الوردي: “ليس العجيب أن يختلف الناس في أذواقهم وميولهم، ولكن العجب أن يتخاصموا من أجل هذا الاختلاف”.

أن نتحاور مع رأيه، أن نفهمه، أن نتناقش حتى نثري حوارنا ومجالسنا. يقول علي بن أبي طالب: “اضرب بعض الرأي ببعض يتولد من الصواب”.

وتذكر دومًا أن آرائنا للعرض وليست للفرض، وأن الاحتفال بإحراج الآخرين لا يعد سوى انتصارٍ للضعيف، انتصارٌ محفوفٌ بالضغائن. ولا تعتقد يومًا أن كتمك لأصوات الآخرين سيُظهر صوتك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى