فاطمة العدلاني

فكة العُمر!

فاطمة العدلاني

نُسرق في أعز ما لدينا؛ وهم التكنولوجيا قضى على ماضينا ويسرق حاضرنا ومستقبلنا. هي بوهم الاستفادة لا إفادة!

لا شك أن الهواتف المحمولة أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، ومن الضروري فهم تأثيراتها على صحة الإنسان، خصوصًا الدماغ. فمثلا الفيديوهات القصيرة جدًا تختلف كليًا في مضمونها وهدفها تُعرض بطريقة ممنهجة أو كادت أن تكون كذلك لشد انتباهك وتشتيته في آن واحد. بعد مُدة نكاد نُجزم ليست بطويلة حتما سنرى أشخاص ضيقي البال لا يروق لهم قراءة كتاب مثلًا أو مشاهدة فيديو تعليمي لأي شيء نافع في مدة تتجاوز دقائق معدودة؛ وكيف! وقد غُذّي العقل بثوان فثوان فثوان على الأمد البعيد اعتاد وألف مقاطع قصيرة بشكل سريع واحدة تلو الأخرى بعد نصف ساعة وربما أقل في فيديوهات قصيرة تعمل على تشتيت قدرتك الاستيعابية على المدي البعيد تصنع منك مُشتت بامتياز.

الإشعاعات الكهرومغناطيسية التي تصدرها الهواتف، خاصة بتقنيات الاتصال اللاسلكي مثل 4G و5G تؤثر  على الخلايا العصبية في الدماغ، مثل زيادة الحرارة أو الإشارات العصبية غير الطبيعية.

لن أتطرق عن كارثة أثر  ذلك علي طفل لكن سأعرض فقط جزءً من أثر ذلك على البالغين ولا سيما بشكل أكبر ومضاعف على الصغار من التأثير على الأداء والذاكرة، القدرة على التركيز، سرعة الاستجابة، والتعلم. كذلك للبالغين استخدام الهاتف لفترات طويلة يؤثر على الصحة النفسية، مثل القلق، التوتر، واضطرابات النوم وتشتت الانتباه وعدم ثبات الفكر “وضياع العمر”

ستشعر أن التعبير جاف والأمور ليست كما توصف ولكن والله هي كذلك وسأطرح تجربة عملية؛ لو كان لديك سين من الأموال وصاد من الالتزامات وكاف من المال الزائد عن الحاجة (فكة) فكة المال موازيٍ لفكة العمر “دقائق الفيديو القصير”. احرص علي أن تسجل ما تم صرفه وما تم ادخاره أو صرفة بشكل بسيط علي سبيل ما يُدعي ب”الفكة ” واحرص علي أن تعلم كم كان منها من مدونتك بعد ستة أشهر مثلا!

ستنصدم بعد التعديل حيث كتبها التصحيح التلقائي “ستندم” ولن أتمنى ذلك.  لكن صدقني عُمرنا يُسرق من بين أيدينا بكامل إرادتنا! هذا عن فكة المال فماذا عن فكة العمر كيف تُحسب؟

الجدير بالذكر أن خسائر فكة المال تُعوض ولكن فكة العمر ليتها تعود.

تبحث عن شروط كتابة البحث العلمي في الجرائد العالمية ويتنهي بك المطاف بعد نصف ساعة أو أقل في فيديو أفضل طريقة لعمل المعكرونة بالبشاميل! تنوي البدء في فروقات اللهجة البريطانية عن الأمريكية فيتنهي بك المطاف بإعلان  عن سبب طلاق الفنان س والفنانة ص وبسرعة البرق تتجول بين التطبيقات في جوالك كأنما تجوب الكرة الأرضية كشخص يبحث عن معلومة في أمر ما على ذلك المتصفح كيف ينجرف به الوقت والعمر و ما يعنيه في أخبار العالم داخل بيوتهم وسبب انفصال أشخاص مشهورين و بعد أشهر ربما نكتشف أنه لم يكن واقع لقد كان مسلسل باهت و حيلة جديدة لجذبك في ضياع دقائق أخرى وساعات من عمرك. كل وسائل التواصل الاجتماعي تتهافت على ضياع يومك يتفنن كل صاحب محتوي “لقب جديد عصري” على شد انتباهك لكسب بعض المال بمشاهدتك حتى لو كانت فيلمًا عربيًا أسطورة الحكايات لمن يشتري هذا العمل الهابط بعمره! تخيل أنك تنساق وراء هذا الخداع! أو “هيا نجهز سويا “فيديوهات قصيرة بعنوان” get ready with me” تتفنن الفتاة في الظهور بشكل مبعثر وخطوة بخطوة أمام الكاميرا تضع مساحيق التجميل وتعرض ما قامت بشراءه حديثًا حتى تجهز لمناسبة أو حفل في أبهى ما تستطيع الوصول إليه! يتكلف الأمر أيضًا دقائق في فيديو قصير من عمرك هي تكسب المال نظير مشاهدتك وأنت ستخسر وقتك بلا هدف وبدون مقابل . المؤسف كل يوم هو تصميم المزيد من التطبيقات التي تتنافس على وقتك وتلهث وراء مشاهدتك لتُخسِرك العُمر الذي ستعتقد أنه فكة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى