عمر غازيكُتاب الترند العربي

عار الشيخوخة

عمر غازي

أكثر ظاهرة تربكني وتثير لدي أسئلة لا نهائية هي “التنمر على التقدم في السن وتحديدًا شيخوخة النجوم والمشاهير، وهذه الظاهرة تكشف عن تناقضات مجتمعية عميقة وتفتح الباب أمام تأملات حول كيف يتعامل المجتمع مع حتمية الكبر والشيخوخة، فالحقيقة الثابتة التي لا جدال عليها بعد الموت هي “حقيقة الكبر والهرم والشيخوخة”، فلا شباب دائم ولا خلود، فلماذا إذن نتجاهل هذه الحقيقة؟ لماذا يختار البعض التنمر على هؤلاء الذين كانوا يومًا ما رموزًا للشباب والجمال؟

في تقديري الشخصي، أن من يرتكبون هذا الجرم قد يعانون على الأرجح من “فوبيا الشيخوخة” أو “ألم ضياع العمر دون تحقيق مبتغاهم”، فيصبون غضبهم في المشاهير لأنهم يذكرونهم بطفولتهم وشبابهم وسنوات عمرهم الضائع، فربما يجدون في رؤية هؤلاء المشاهير -الذين عاصروا تحولاتهم ونجاحهم وذروتهم- وهم يتقدمون في السن، تذكيرًا مؤلمًا بأنفسهم، بما لم يحققوه، وبالأحلام التي لم تتحقق.

التنمر على المشاهير الذين يتقدمون في السن هو انعكاس لهذا الخوف الجماعي، فالمشاهير، بحكم شهرتهم وانتشار صورهم وأخبارهم، يصبحون أهدافًا سهلة للتنمر، حيث يرى الناس فيهم انعكاسًا لذواتهم المستقبلية، ويشعرون بالراحة في مهاجمتهم وانتقادهم، وهذا الهجوم اللفظي والنقد اللاذع يعبر عن خوف عميق من التقدم في السن ومن فقدان الجمال والشباب.

في دراسة أجرتها جامعة ستانفورد عام 2018، تبين أن التنمر على كبار السن، وخاصة النجوم والمشاهير، يشكل ظاهرة متزايدة في وسائل الإعلام الاجتماعية، وكشفت الدراسة عن أن العديد من الناس يستخدمون صور وتعليقات سلبية لإظهار الكبر في السن على أنه شيء مخجل، وهذا السلوك يعكس خوفًا جماعيًا من التقدم في السن والرغبة في الاحتفاظ بالشباب الأبدي، حتى وإن كان ذلك على حساب الكرامة الإنسانية للآخرين.

وبحسب دراسة أخرى أجرتها جامعة أكسفورد عام 2019، أظهرت النتائج أن الأفراد الذين يعانون من خوف شديد من الشيخوخة غالبًا ما يظهرون عدوانية تجاه الأشخاص الذين يمثلون لهم رمزًا للتقدم في السن، مثل المشاهير الذين يكبرون في العمر، وهذه العدوانية قد تكون نتيجة للشعور بالفشل الشخصي والإحباط من عدم تحقيق الأهداف الشخصية.

الشيخوخة، بحكم طبيعتها، هي جزء لا يتجزأ من دورة الحياة، ولا يمكن لأي شخص أن يهرب منها أو يتجنبها، فهي النهاية الحتمية لكل كائن حي، ومع ذلك، من المخجل جدًا أن نجد المجتمع يتعامل مع هذه الحقيقة بنوع من الإنكار، فيتم تمجيد الشباب والجمال في وسائل الإعلام، بينما يتم تجاهل أو ازدراء الكبر والشيخوخة، وهذه الازدواجية في المعايير تخلق بيئة غير صحية، حيث يشعر الأفراد بالخوف من التقدم في السن ويفقدون احترامهم وتقديرهم لمن يكبرون في العمر.

واعتقد أنه من البديهي في ضوء ما نلمسه اليوم في وسائل التواصل الاجتماعي أن نعيد النظر في كيفية تعاملنا مع ظاهرة الشيخوخة، وأن نتقبلها كجزء طبيعي من الحياة وأن نكف عن انتقاد أولئك الذين يكبرون في العمر لمجرد أنهم كبروا في العمر!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى