“The Marvels”.. مارفل تغني وترقص وتقلد “باربي”!
عصام زكريا
لسنوات طويلة وعدة عقود تربعت شركة “مارفل” على قمة صناعة السينما الأميركية والعالمية، محققة إيرادات فلكية وغير مسبوقة بأفلام أبطالها الخارقين، سواء كانوا منفردين، أو مجتمعين. ومثلما ارتفعت الايرادات، فقد رفعت “مارفل” أيضًا من تكلفة الأفلام التي أصبح الكثير منها الآن يتجاوز مئتي مليون دولار، كما رفعت أيضًا من سقف توقعات الجمهور، وتوقعات سوق التوزيع. وفي مثل هذه الرهانات العالية، فإن الخسارة، إذا حلت، غالبًا ما تكون كبيرة أيضًا!.
هذا ما حدث مع آخر أفلام “مارفل” المسمى بـ”The Marvels” أي “المارفيليات”، الذي تكلف 250 مليون دولارًا، ولكن إيرادات شباك التذاكر خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من عرضه في أميركا والعالم لم تصل إلى 200 مليون “علمًا بأن الرقم الذي يحتاجه فيلم تكلف 250 مليون لكي يغطي تكاليفه ويبدأ في الربح يجب ألا يقل عن 700 مليون دولارً!”.
عادة ما يكون سبب تراجع هذا النوع من الأنواع الفنية أو السلاسل المعمرة هو تكرار المضمون والقوالب الدرامية ووجوه الممثلين، وتشبع المشاهدين منها لدرجة الملل والتحول إلى أنواع أو نوعيات أكثر طزاجة وقدرة على إدهاشهم وكسر توقعاتهم نسبيًا. ولكن من الصعب أن نقول أن هذا هو سبب فشل «The Marvels» الذي قد يصبح أقل أفلام مارفل تحقيقًا للإيرادات على الإطلاق. على العكس، هذا أقل أفلام «مارفل» شبهًا ببقية أعمالها، حتى يكاد المرء يعتقد أحيانًا أنه لا ينتمي إليها، لولا وجوه وملابس البطلات التي يعرفها المشاهد من أعمال سابقة، أو كأنه فيلم من نوع وعائلة أخرى يقدم تقليدًا أو محاكاة ساخرة لأفلام مارفل!.
الفيلم خليط من عالم مارفل على عالم ديزني “هل يعود ذلك إلى انضمام الشركتين؟” على عالم «حرب النجوم» على “باربي”، وأحيانا على “كل شئ، في كل مكان، في الوقت نفسه” الذي حصد معظم جوائز الأوسكار الماضية، وعلى “باربي” الذي حقق أعلى إيرادات 2023، وفوق ذلك كله يقدم الفيلم نفسه أحيانا كعمل غنائي استعراضي على طريقة “لا لا لاند”!.
يطرح الشكل الذي صيغ به “The Marvels”، والمصير الذي آل إليه، أكثر من سؤال: هل مل عشاق «مارفل» من الأبطال الخارقين وبدأ البحث عن نوع فني آخر؟ أم أن الفيلم هو الذي ابتعد عما يحبه الجمهور في عالم “مارفل”؟ إن جمهور «مارفل» التقليدي يتشكل أغلبه من الذكور البيض، ولكن منذ بداية عصر «الصوابية السياسية» المناهضة للانحياز الجنسي والعرقي بدأت الشركة العملاقة في تغيير انحيازاتها القديمة بإضافة عدد من الأبطال الملونين والنساء، وتغيير محتوى القصص بحيث تشغل فيها النساء والأعراق الأخرى «خاصة من ذوي الأصل الإفريقي والآسيوي». فمثلا «كابتن مارفل» وجدت لتعادل «كابتن أميركا» و«الآنسة مارفل» لتضيف لمسة هندية ومسلمة إلى السلسلة.
ويبدو أن القائمين على الشركة لاحظوا أيضًا الزيادة الكبيرة في أعداد المخرجات النساء خلال الأعوام القليلة الماضية، وأيضًا اتجاه المخرجات الأصغر سنًا إلى عمل أفلام كانت في العادة «رجولية» مثل الأكشن والرعب والحربي، ومن ثم وقع اختيار الشركة على إسناد إخراج الفيلم لإمرأة شابة إفريقية أميركية هي نيا داكوستا المخرجة المؤلفة، التي لفتت الأنظار بفيلميها السابقين «Little Wood»، و«Candyman2»، ربما على أمل أن تكرر ما حققته جريتا جيرويج مخرجة فيلم «باربي» الذي حظي باستقبال جماهيري ونقدي مدهشين.
اختيار داكوستا لا يبدو أنه صدفة على الاطلاق، ففكرة «The Marvels» وحبكته وشخصياته نسائية تمامًا: كارول دانفرز، أو كابتن مارفل «بري لارسون» تنضم إليها بطلتان خارقتان أخريان، هما مونيكا رامبو «تيونا باريس»، ابنة صديقتها الراحلة التي تصبح عالمة متخصصة في أسرار «الكون المتعدد» المارفلي، والثانية هي كامالا خان «إيمان فيلاني» الأميركية الهندية التي عثرت على أساور سحرية حولتها إلى «الآنسة مارفل» في المسلسل الذي حمل هذا الاسم، والتي تحلم طوال الوقت بأن تلتقي ببطلتها المثالية كابتن مارفل، ويتحقق حلمها في الفيلم الجديد، إذ تتحول إلى شريكة فريق واحد مع كابتن مارفل ومونيكا رامبو. أما دور الشرير، فلا يخلو فيلم أبطال خارقين من وجود شرير أو أكثر لديه قدرات خارقة أيضًا، فتقوم به امرأة أيضًا، وهي دار بين «زاوي أشتون»، حاكمة أحد الكواكب المدمرة، والتي تسعى إلى انقاذ أهل كوكبها من «اللاجئين» باعادة الحياة إلى كوكبها، حتى لو كان على حساب سرقة هواء ومياه وشمس الكواكب الأخرى!.
بجانب الشخصيات والمخرجة المؤلفة، فإن «The Marvels» فيلم نسائي بالكامل، وبشكل مقصود غالبًا، إذ يمتد وجهه النسائي إلى معظم العناصر الفنية الأخرى مثل المونتاج وتصميم المناظر ومعظم فريق الانتاج. أما الرجال في الفيلم فهم مجرد مجاميع مقاتلين لا وجوه لهم، أو حكام مسنين، وحتى صامويل جاكسون، النجم الأكثر شهرة بينهم، فيلعب دورًا صغيرًا، كقائد محطة فضاء، بينما يلعب الكوري الأصل بارك سيو- جوون دورًا أصغر وأكثر سخفًا، وهو دور أمير أحد الكواكب، يحب كابتن مارفل، ويغني ويرقص لها على طريقة أمير سندريلا وحكايات الأطفال.
هذه الصبغة النسائية الكاملة ربما لا تكون شيئًا سيئًا في حد ذاته. من المهم أن تحتل النساء المساحات التي يستحققنها في هذا العالم. ولكن المسألة في «The Marvels» أنها تزيد هنا عن أي عمل سابق لمارفل بشكل ملفت ومفتعل أحيانًا، لدرجة أن الفيلم يشبه إلى حد ما باربي ونسخها المتنوعة في مقابل المسكين كين، في فيلم «باربي»، وقد يكون الأمر محبذًا في فيلم «بناتي» بالأساس مثل «باربي»، ولكن بالنسبة لعالم مارفل فالأمر مختلف، خاصة أننا هنا لسنا أمام بطلة واحدة مثل «كابتن مارفل» أو «بلاك ويدو» أو «وندر ومان» «الأخيرة من عالم DC»، ولكننا أمام فيلم، وعالم، كامل من النساء.
نقطة أخرى تتعلق بـ«نسوية» الفيلم هي أنه لا يشبه تلك الأعمال النسائية التي تحاكي وتخاطب عقول وعيون الرجال «مثل المصارعة زينة، ونابشة القبور، ومصارعة المحترفات»، التي تتحول فيها النساء إلى نسخ من رجال الأكشن، ولكن نساء «The Marvels» يعشن في هذا العالم الخيالي الخارق وكأنهن في فيلم درامي عائلي، أو في فيلم نسائي كوميدي من تلك النوعية التي يطلق عليها «نقنقة الدجاج» Chick Flick ، التي تعتمد على المحادثات النسائية الطويلة. ومساحة كبيرة من زمن الفيلم «القصير نسبيًا بمقاييس مارفل، إذ لا يتجاوز ساعة وأربعين دقيقة» مخصصة للأغاني والرقصات، ورغم أن الأغاني من أبرز وأجمل عناصر الفيلم، بطبيعتها الـ«شبابية» المبهجة، لكنها تكاد تحوله إلى فيلم «ميوزيكال»، بل يحتوي الفيلم بالفعل على فقرة غنائية استعراضية، تتحول فيها «كابتن مارفل» إلى «سنو وايت مارفل» وقد تحول زيها القتالي إلى فستان أميرة، تغني وترقص مع الأمير!
تلعب إيمان فيلاني دورًا كبيرًا في نقل الفيلم إلى منطقة أخرى. لقد نجحت بقوة في مسلسل «الآنسة مارفل»، تلك الفتاة المراهقة البدينة نسبيًا، التي تختلف مقاييسها العرقية والشكلية عن بطلات هوليوود التقليديات «اللواتي تمثلهن كابتن مارفل»، بجانب حضورها الكوميدي، الواقعي، المحبب والمريح، ولكن من المعروف أن السينما ذات طبيعة «ذكورية» أكثر من التليفزيون، وجمهور مارفل السينمائي، كما أشرت، معظمه من الذكور. وربما يكون ذلك أحد أسباب قلة الاقبال على الفيلم.
نقطة أخيرة تتعلق بالمعارك: إنها قليلة بالنسبة لفيلم أبطال خارقين، والحبكة والرؤية البصرية هي نسائية جدًا: حدوث تهتكات وفتحات في جسد الكون تحتاج إلى ملئها وإعادة غلقها حتى لا تبتلع العالم وتدمره. في المقابل تعتمد الحبكات والرؤى البصرية غالبًا على صور البنادق والصواريخ والحربات والسيوف التي تخترق هذا الجسد الكوني لتحقق البطولات!
خلاف جندري بصري وسينمائي، ربما يلعب دورًا نفسيًا غير واعيًا أيضًا في إحجام ذكور مارفل عن الفيلم وانتقادهم اللاذع له.
المصدر: سوليوود