نساء في الحرب.. معاناة تخلق الفدائية
أحمد أبو درويش
تتشابك قصص أربع من النساء الفرنسيات، ليجتمعن في بلدة واحدة أثناء الحرب العالمية الأولى، ومحاولة الجيش الألماني اقتحام مدينة «سان بولان» الفرنسية.
وعلى الرغم من كون النساء الأربع ارتضين إلى حدٍ بعيد بدور المراقب، خاصة أنهن جميعًا يطاردهن الماضي ويلاحق حاضرهن ومستقبلهن، إلا أنهن وبشكل مباشر يتورطن في الأحداث.
ويبدو أن الحرب العالمية، سواء الأولى أو الثانية، لا يزال في جعبتها الكثير والكثير، من القصص التي تقدم عبر الشاشات سواء السينمائية أو الدرامية، والتي تروي مآثر الحلفاء في مواجهة النازيين. وتبقى قاعدة هامة للكتابة، وهي أنه حتى إن كان الموضوع الذي يتم مناقشته معادًا، فإن كل كاتب يستطيع أن يقدم جديدًا، فلا يوجد ما يطلق عليه موضوع “قتل بحثًا” فهذه أكذوبة.
وفي العمل الدرامي المشوق woman at war تعمل النسوة الأربع في وظائف مدنية، فواحدة راهبة “أغنيس”، وأخرى ممرضة “سوزان”، وثالثة مديرة مصنع سيارات “كارولين”، أما الرابعة فكانت مومس “مارجريت”، ومارجريت هذه، كانت الشعلة التي فجّرت نشاط النسوة في المدينة للتورط والمشاركة في المقاومة. ويدعونا هنا للملاحظة والتساؤل، حول حبكة تحويل المومسات في أوقات الحروب لمناضلات يساعدن المقاومة. وهي حبكة لجأ إليها الكثيرون من الكتاب سواء في كتابة الأعمال السينمائية والدرامية أو حتى الأعمال الروائية. ويرجع هذا لكون المومس تستطيع جمع المعلومات بسهولة شديدة، وإلى ذلك فهي ليست موضع شكٍّ أبدًا. لكن هذا لم يحدث مع مارجريت التي كانت تتورط بشكل مباشر في الاستعلام عن معسكرات الجيش الفرنسي من زبائنها الجنود، ما جعلهم يشكون في أمرها إلى أن اعتقلها الجيش الفرنسي، فاكتشف القادة أنها تبحث عن ابنها بين الجنود.
وفي الدراما المكونة من 8 حلقات فقط، تتشابك قصص أربع من الفرنسيات، كل منهن لها قصتها ومشكلاتها، وماض تهرب منه، إلى أن تجمعهن المصادفة في مكان واحد، فيتحولن جميعًا للعمل الإغاثي أثناء وقوع الحرب، ليتم تكريمهن من قبل الرئيس الفرنسي كنموذج مشرف للمرأة الفرنسية، إلا أن الأمر لا ينتهي بهذه النهاية السعيدة، إذ تستمر معاناتهن الشخصية، فالماضي الذي يطارد كل واحدةٍ منهن لينتقم منها، إلا أنهن يواجهن الماضي ويواجهن الأعداء ويدفعن أثمانًا باهظة في مواجهة المدّ الألماني.
فأغنيس الراهبة تقع في حب جندي ألماني كانت تعالجه في ديرها، وترتكب فعل الزنا، فتقرر معاقبة ذاتها، بأن تجلد نفسها وهي عارية. لكنها تكتشف أن ما يواجهها من مصائب أكبر من أن تحب أحد الأعداء أو أن تقدم على المتعة الجسدية. وكارولين التي نتفاجأ بأنها تهرب من ماضيها حيث كانت تعمل في الدعارة قبل زواجها، وهو السر الذي أخفاه زوجها عن أهله الأرستقراطيين، لكنها تواجه مصيرها بمقتل زوجها في الحرب، وتقاوم رغبات نسيبها الذي يحاول التخلص منها، وإدارة دفة المصنع لتصنيع ذخيرة للجيش كي لا يتم تجنيده. أما سوزان، فتهرب من حادثة قتل حيث تسبب إجراؤها لعملية إجهاض في وفاة المرأة الحامل، فيطاردها زوج المرأة ويريد قتلها. أما مارجريت، فإن دورها يتعدى البحث عن ابنها، فتغير مصير النسوة في دار البغاء ليقدن سيارات الإسعاف. وكأن التيمة الأثيرة لهذا العمل هو أن الخير مؤصل في قلوب الناس مهما كانت أخطاؤهم.
في العمل الدرامي، جرعة عالية من المشاعر، تقول بأن أدب الحرب هو أدب شديد التعمق في النفس البشرية، لما تشهده الحروب من ويلات وأهوال للبشر. وأتساءل دومًا هل يمكننا كعرب صناعة دراما أو سينما بهذه الجودة في كتابتها ورهافتها وقلقها الإنسانيّ ومشاعرها المركبة المضطربة وعمقها الفاضح للنفس البشرية.