“الهامور ح.ع”.. بطل مأزوم وحكاية لها خصوصية
علاء خليف
يبدو أن قصص الاحتيال جميعها واحد ومنشؤها واحد، ونهايتها كذلك واحدة. وحين تتشابه قصص الاحتيال التي غالبًا ما تنبني على الجشع والطمع وتنتهي بالانهيار السريع والسجن كعاقبةٍ حتمية، فإن القصص جميعها تبدو متشابهة، ولكن دائمًا هناك زاوية جديدة للتناول. وهناك جديد يمكن روايته.
فيلم “الهامور ح.ع” يحاكي قصة حقيقية، حول الاحتيال في المجتمع السعودي، حيث قصة المحتال الذي كوّن شركة لتوظيف الأموال، واعتمد على مدخرات الطبقة الوسطى، والاستثمار في أحلامهم.
وعلى الرغم من تشابه الحكاية مع عشرات الحكايات شرقًا وغربًا، ما انبنى عليه عدد من الأفلام المشابهة، التي تتحدث جميعها عن رحلات الصعود المكوكية في عالم الاحتيال، إلا أن فيلم “الهامور ح.ع”، كانت له خصوصية تميّزه، حيث الهوية السعودية البارزة، في المكان والشخوص، وكذلك في الحبكة الكوميدية الجيدة.
ويكمن الاحتفاء بفيلم “الهامور ح.ع” لجودته العالية كأحد أهم أفلام السينما السعودية التي انطلقت انطلاقة قوية خلال آخر عامين، وكون الفيلم تم تقديمه لجوائز الأوسكار، وكذلك كونه أول فيلم سعوديّ يعرض في السينمات المصرية، خاصة بعدما كانت السينمات السعودية، وعاءً يحتوي أفلامًا مصرية وأجنبية دون أعمالٍ سعودية، فأصبحت الآن بسبب وفرتها الإنتاجية وجودتها المتطورة، تعرض أفلامها في السينمات المصرية.
“أخرج الحارة منك”
استعرض راوي الفيلم وبطله “حامد” قصة صعوده المكّوكي، فحامد نشأ في أسرة فقيرة في حارة بمكة، وامتلك طموحًا كبيرًا في حصد الثروات، فانتقل مع زوجته لمدينة جدة. إلا أنه تعثّر في عدّة أعمال متواضعة. وحتى حين تم توظيفه في شركة كبيرة، أيقن أن الوظيفة لن تؤمن له الطموح الذي ينجّيه من الفقر ويحقق له الثروة الضخمة، فلجأ للاحتيال.
اعتمد حامد راوي الفيلم وبطله على مقولة أسس عليها، مبدأه في الاحتيال وهي: “أهم من أن تخرج من الحارة، هو أن تخرج الحارة منك”، وهي مقولة تعبر عن لحظة التغيير التي طالت بطل العمل، والتي انبنت على معاناته السابقة، وتمثل كذلك طموحه الكبير. فذلك البطل المأزوم، الذي عانى فقرا مدقعًا، أدرك في لحظة حاسمة أن الفقر قرار وأن الغنى قرار، وأنه إن لزم عليه تغيير ظروفه المادية، فعليه أولًا أن يتغير هو وتتغير طريقة تفكيره وتطوير ذكائه، ومن ثم تتغير كذلك معاملاته مع الناس، ولكن كل ذلك لم يشفع له في أن يسلك طرقًا غير ملتوية.
أسس حامد مع أصدقاء له، شركة لتوظيف الأموال، واستثمر في أحلام الطبقة الوسطى، حتى كانت أموال المودعين تتدفق عليه، رغمًا عنه، حين يكتفي ويغلق أبواب الإيداع. وعلى الرغم من كون قصة صعود “حامد” سريعة لدرجة أنه كراوٍ للفيلم، وحين استعرض أسطول سياراته، قال إنه لم يكن يتخيل منذ ثلاث سنوات فقط أن يشتري سيارة، إلا أن بناء الفيلم استغرق مدة طويلة، في بناء مشاهد معاناته قبل الاحتيال، حين كان يعمل كحارس أمن، ثم كموظف تسويق داخل “كول سنتر” إحدى الشركات، ثم مدة أخرى طويلة لوضعه أثناء مرحلة الصعود، ولم يعبأ مخرج العمل، بمرحلة الانهيار، لحتميته وكونه انهيارًا سريعًا انبنى على تحذيرات صحفية من التعامل معه.
وفي الأخير؛ فإن فيلم “الهامور ح.ع” يعدّ واحدًا من أهم الأفلام السعودية، والذي من شأنه حال دخوله ترشيحات القائمة الطويلة لجوائز الأوسكار، سيمثّل نقلة هامة للسينما السعودية، ليس فقط على الخارطة العربية والإقليمية، وإنما كذلك في الخارطة العالمية.