السينما وتحفيز الوعي الاجتماعي
محمود غريب
الذاهبون بإراداتهم لدور السينما وأولئك الذين يختارون قضاء أوقاتٍ أمام الشاشة الصغيرة، هم الأكثر استعداداً لقبول الرسالة الموجَّهة عبر الأعمال الفنية؛ لعدة أسباب أهمها الرغبة في اكتشاف ثقافات جديدة، والتعرف على قصص درامية متنوعة غير تلك التي تلازمهم في يومهم المعتاد.
ولذلك، فإن فئةً من الجمهور يختارون الفيلم الذي سيشاهدونه بناء على قصته، من خلال تتبع التفاصيل عبر محركات البحث «الإنترنت» قبل الذهاب للسينما؛ بينما يختار آخرون نوعية الأفلام بناء على الأبطال؛ حيث يبحثون عن نجومهم المفضلين.
في الحالتين نحن أمام فرز مسبق من الجمهور لنوعية الأفلام المعروضة، وهو ما يتيح فرصة أمام صناع السينما لاختيار موضوعات تساعد على تشكيل الوعي العام للجمهور، سواء من خلال قصة درامية محفزة ومشوِّقة للمشاهدة تتخللها رسائل مجتمعية وتثقيفية لا تبتعد عن السياق الدرامي للفيلم، أو من خلال استغلال نجوم الشباك لتضمين أعمالهم تلك الرسائل التي يكون تأثيرها أوسع.
في أغلب المجتمعات يكون تأثير نجوم الصف الأول مرتفعًا للغاية، وهو ما يظهر في تقليد بعض الشباب لنجمهم السينمائي، سواء في قصة شعره أو ملابسه وطريقة كلامه وغيرها؛ وهي فرصة منقطعة النظير لتضمين رسائل مفيدة اجتماعيًا لتعزيز الوعي الجمعي تجاه قضية معينة.
أما الجمهور الذي يختار الفيلم بناء على القصة، أو الأفلام التي يقل فيها عدد نجوم الصف الأول؛ فيناسبها بناء قصة درامية مبتكرة تجذب المشاهد وتتضمن رسائل في السياق الدرامي تجاه قضية يراد إيصالها للمجتمع.
ما أريد أن أقوله في هذا السياق، إن السينما كانت وتظل واحدة من الوسائل الأكثر تأثيرًا في سياق تحفيز الوعي الاجتماعي؛ وشكلت في أوقات كثيرة أحد مصادر القوة الناعمة للدول؛ يجري من خلالها تسليط الضوء على نقاط مميزة لخلق وعي جمعي تجاهها.
وكما أنها وسيلة مثالية لإيصال رسائل إيجابية، فإن الأفلام تمتلك نفس القوة لذرع رسائل سلبية؛ وبالتالي فإن تشكيل الوعي الاجتماعي إيجابًا أو سلبًا يظل مرهونًا بنوعية الأعمال المعروضة والأهداف المراد نقلها للجمهور؛ ولذلك خلقت أفلام الجريمة – على سبيل المثال – واقعًا مجتمعيًا سلبيًا ومُحفَّزا تجاه الجريمة وأساليبها.
من المهم ملاحظة اتجاهات الجمهور وتفضيلاته، مع الأخذ في الاعتبار أن أغلبية رواد السينما يفضلون القصص المختلفة والغربية بغض النظر عن نوعية المعالجة، سواء درامية أو رومانسية أو تاريخية؛ وهو ما يفرض على صناع السينما ضرورة تقديم أعمال تناسب هذه الاتجاهات وحساباتها ومزجها برسائل موجهة بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو ما يجعل السينما محفزًا مهمًا للوعي الاجتماعي.