حياة سيدة البحر
نرمين يُسر
في مكان ما وفي حقبة زمنية غير معروفة إلا ببؤس أحوالها، تكتسب فتاة صغيرة تدعى حياة “بسيمة حجار” ازدراء أفراد الأسرة والجيران، في أول فيلم روائي طويل لشهد أمين بعنوان “Scales” أو “قشور السمك”.
إذ يعتبر مجتمع الجزيرة النائية مكانًا يصعب اعتباره موطنًا، نظرًا لعدم قدرتهم على زراعة أي شيء من نباتات أو حشائش للحيوانات، فلم تظهر الحيوانات أو الدواجن، إنما يعتمدون على المياه المظلمة التي تحيط بهم للحصول على الغذاء.
ولكن تبقى مشكلة أخرى وهي أنهم ليسوا الوحيدين الذين يعتمدون على الغذاء من المياه للبقاء على قيد الحياة، فهناك كائنات تتسابق معهم على الصيد فيعقدون معاهدات السلام مع حوريات البحر التي تحيط بجزيرتهم القاحلة، ويفرض الصيادون بالجزيرة على كل العائلات أن تضحي بفتاة صغيرة منهم كقربان للحوريات لتهدئتهن.
ولكن مثنى “يعقوب الفرحان” والد “حياة” يكسر القاعدة وينقذ مولودته الأولى من بين أيدي محرشفة مغطاة بالقشور في اللحظة الأخيرة. ومن ذلك الحين ولمدة اثني عشر عامًا لا تزال “حياة” تدفع ثمن قرارات والدها. ومع قلة الطعام المتاح يلومها العديد من أبناء الجزيرة بجميع أعمارهم، كبارًا كانوا أم صغارًا، ويلقون عليها المسؤولية في سوء حظهم وضنك معيشتهم، ولكن “حياة” تتغير من فتاة صغيرة إلى أخرى أقوى، وستقاتل من أجل مكانها بينهم.
فيلم “Scales” من تأليف وإخراج شهد أمين، يقدم قصة رمزية نسوية عن مرحلة بلوغ سن الرشد في المملكة العربية السعودية، لكنها بعيدة نسبيًا عن العالم الحقيقي، فنحن منغمسون في عالم الخيال البارد هذا؛ إذ غالبًا ما يتم حبس النساء بالمنازل، في حين يستمتع الرجال بامتياز صيد الأسماك والعيش بحرية من خلال تصوير سينمائي بالأبيض في الأسود. وفي هذا العالم العدائي، يجب على منبوذتنا وبطلتنا البقاء على قيد الحياة وإثبات قيمتها باستمرار للأشخاص من حولها؛ الاشخاص الذين رفضوها طوال حياتها.
بالرغم أن القصة مألوفة في أن فتاة صغيرة تثبت نفسها ضد التقاليد القديمة، فإن الصورة المذهلة للفيلم تجعلها لا تُنسى؛ إذ تتمتع المخرجة بموهبة كبيرة في الأعمال الدرامية، سواء في اللقطات المقربة لوجوه الممثلين في اللحظات المناسبة، أو منظر من المناظر الطبيعية الصخرية، أو الأمواج، أو البحر نفسه يصير مرعبًا من خلال تصوير جوانبه المختلفة.
فهذا العالم الذي ابتكرته أمين مع السينمائي جواوو ريير غني بالملمس والظلال ومذهل بصريًا في تقشفه، فيعيد إلى الأذهان مع المناظر الطبيعية للقمر بالأبيض في الأسود أنه يعيد إلى الأذهان فيلم a girl walks alone at night مستخدمًا عناصره الخيالية في خدمة قصة رمزية عن معركة فتاة ضد عالم أبوي.
عبر استخدام المخرجة للحدة في زوايا تصويرها الصادمة تبدو أجزاء من حكايتها تفتقر إلى نوع من التفاصيل المهمة، حيث يتم ذكر أحداث الحبكة المهمة بشكل واقعي، لكن دون الكثير من الشرح.
تحافظ قصة الفيلم على تجردها بعد أن توضح العناوين التمهيدية الأولى اتفاقًا بين الجزيرة وحوريات البحر، ولكنها تبدو وكأنها لغز في نهاية الفيلم على الرغم من الكشف عن المزيد من عالمها.
القصة الرمزية البسيطة هي دراسة للظروف القصوى بين الجنسين، حيث يُسمح لفتاة واحدة باختراق جزيرتها أو قريتها، أو أيًا كان مسمى المكان نحو التنوير والابتعاد عن قتل بناتها.
في دور «حياة» كان أداء بسيمة الحجار هادئًا، تتحدى السلطة بهدوء، وفي بعض الأحيان تبدو منهكة بسبب صراعها ومعاملة أهل القرية لها. كنت أرغب أحيانًا في مشاهدة المزيد من أدائها لأن الاستجابة كانت قليلة جدًا، لدرجة أنني لم أتمكن من رؤية الشخصية، ففي بعض المشاهد كان صمتها لغزًا أكثر من كونه عاطفة.
النجمان الرئيسيان المشاركان في الفيلم الفرحان وأشرف برهوم الذي يلعب دور قائد الصيادين عامر، هما شخصيتان متناقضتان في هذا العالم المنقسم، وبصفته والد “حياة” يظهر الفرحان لطفًا نادرًا، ولكنه يظهر أيضًا قيود الحب في مجتمع لا يقدر الفتيات في المقابل. يظهر برهوم حبًا أكثر صرامة ويفسح المجال لاحترام مضنٍ عندما يأتي لرؤية “حياة” وهي تعمل مع الرجال. يعد عامر من أقسى الأصوات تجاه الفتاة، حيث يطلب منها أن تفعل الصواب من خلال تقديم روحها تضحية أو قربانًا، لكن فيما بعد يتغير إحساسه ويصبح من المدافعين عنها. ويعد تغير شخصيته تدريجيًا شكلاً فعالاً في تطور شخصيات الفيلم.
وبهذا المعنى، فإن الفيلم أكثر من مجرد رحلة «حياة» للعثور على قيمتها الذاتية في مكان يعتبرها عديمة القيمة، حيث يتعلق الأمر بكسر وجهات النظر الرافضة لمن حولها، فكانت «حياة» دائمًا روحًا مستقلة، لكن الرجال هم الذين خضعوا لأكبر تغيير وتعلموا قبولها، وربما أيضا إنقاذ حياتها وحياتهم جميعًا.
إن الفيلم لا يزال أول فيلم مثير للإعجاب، وأنه كان خطًا من خطوط البداية لكل من الشخصية الرئيسية والمخرجة، وهناك المزيد بعد كسر أكبر الحواجز في المجتمع السعودي.