عمر غازيكُتاب الترند العربي

السينما والذاكرة الوطنية

عمر غازي

عندما نتحدث عن السينما، نغوص في عالم مليء بالألوان والأشكال والقصص التي تسرد على الشاشة الكبيرة. ولكن، إذا نظرنا بعمق، فسنجد أن السينما ليست مجرد وسيلة للتسلية أو التعبير الفني فحسب، بل لها دور هام ومعقد في تكوين الذاكرة الوطنية والهوية الجماعية.
تمنحنا الأفلام التاريخية فرصة لاستعادة الأحداث الهامة وتخليدها في الوجدان الشعبي للأمم والشعوب، ففيلم مثل Schindler’s List (قائمة شيندلر)، الذي يتناول الهولوكوست، يتيح لنا النظر في الفترات الزمنية التي قد تكون مؤلمة، ولكنها شكلت جزءًا لا يتجزأ من الحقبة الزمنية اللاحقة حتى يومنا هذا.
ويُمثل فيلم “خطاب الملك” The King’s Speech مثالاً حقيقيًا على حفظ الذاكرة الوطنية، إذ يروي قصة الملك جورج السادس، ملك المملكة المتحدة، وكفاحه مع التأتأة، ويُظهر كيف أن القدرة على التحدث بشكل فعّال كانت أكثر من مجرد مهارة شخصية؛ إنها كانت أداة سياسية قوية يمكن استخدامها للتأثير على الرأي العام وبث روح المعنوية في فترة حرجة تمثلت في الحرب العالمية الثانية.
وعلى الرغم من أن الفيلم يُعتبر دراميًا وليس وثائقيًا، فإنه سلَّط الضوء على أهمية الاتصال في القيادة، وكيف يمكن للرموز الوطنية أن تؤدي دورًا في توجيه الرأي العام. الكثير من الناس اعتبروا الفيلم تأكيدًا لأهمية القوة المعنوية والقيادة في الأوقات الصعبة، وهو يُظهر بوضوح كيف يمكن للسينما أن تمارس دورًا في تشكيل الوعي العام وبناء المواقف، حتى في قضايا ذات طابع سياسي واجتماعي حساس.
هكذا، يُبرهن فيلم “خطاب الملك” على القوة الفائقة للسينما في لفت الانتباه إلى قضايا تتجاوز السرد البسيط للأحداث؛ لتحقيق تأثير عميق على الناس، وعلى تصوراتهم للعالم من حولهم.
ومع ذلك، يحمل الفيلم التاريخي مسؤولية كبيرة، وتبقى مجالاً لإثارة الجدل مثل: Braveheart “برافهارت”، وهو عمل يصور ملحمة وليام والاس، الذي قاد المقاومة ضد الإنجليز المحتلين لإسكتلندا إبان حروب استقلالها، إذ أثار جدلاً واسعًا حول مدى دقة الأحداث التاريخية التي يُعرض بها.
من خلال إنتاج محتوى سينمائي يحفظ الذاكرة الوطنية، نقدم للأجيال القادمة إرثًا ثقافيًا يمكنهم من خلاله فهم جذورهم، والتعرف على التحديات التي واجهها أجدادهم، والإلهام من النجاحات والتضحيات التي شكلت الأمة التي يعيشون فيها اليوم. يمكن لهذا النوع من الأفلام أن يعمل كجسر بين الماضي والحاضر، بين الفرد والجماعة، وبين المواطن والدولة.
في هذا السياق، يصبح من مسؤولية الجميع، ليس فقط كصنَّاع أفلام، ولكن كمشاهدين ومواطنين، دعم الأفلام التي تسعى لتحقيق هذا الهدف النبيل.
عندما نقدِّر السينما كوسيلة للحفاظ على الذاكرة الوطنية، نقوم بالاستثمار في مستقبل مستدام للهوية الجماعية، ونضمن أن القصص التي نحتاج إلى تذكير الأجيال القادمة بها، لن تُنسى أو تُهمل.
لهذا، يتعين علينا التفكير بجدية في الطريقة التي نختار بها أفلامنا وننتجها، لأن الشاشة الكبيرة ليست مجرد شاشة؛ بل نافذة تُطل على الذاكرة الوطنية، التي من خلالها يمكننا أن نرى أنفسنا كجزء من شيء أكبر منا، شيء يمتد عبر الزمان والمكان ليحفر في الوجدان الجماعي للأمة.

المصدر: سوليوود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى