وهم الثانوية العامة
عمر غازي
في ظل التطورات السريعة التي يشهدها العالم في مجال التعليم والبحث العلمي، لا يزال الواقع التعليمي في مصر يعاني من المشاكل الكبيرة والتحديات المعضلة التي تجعلنا نضحك ونبكي في آن واحد، والتي وصلت إلى حد يصعب معه الوصول إلى حلول قريبة كونها أصبحت إشكالية في الذهنية المصرية على اختلاف طبقات المجتمع، نتيجة ترسبات طويلة على مدار عقود، وهو ما لا يحدث سوى في مصر ومن يشاهد الزخم الإعلامي والاجتماعي المصاحب لامتحانات الثانوية العامة كل عام، يدرك حجم المأساة، هل يوجد دولة أخرى في العالم تتجمع فيها الأمهات أمام لجان الامتحان بهذا الشكل ويواجهون أبناءهم بالصراخ والعويل والانهيار لصعوبة امتحان ما.
في الأسطر القادمة حاولت استعراض أبرز هذه المعضلات من وجهة نظري، ولست أبحث عن تقديم حلول بقدر إيماني أن الاعتراف بالمعضلة يوازي أكثر من نصف الحل.
معضلة الدروس الخصوصية
رغم أن التعليم يُعتبر حقًا أساسيًا لكل فرد، إلا الأسر المصرية تعتمد بشكل على الدروس الخصوصية ربما في البداية لتعويض النقص في التعليم الرسمي؛ ولكن حاليًا هذت الواقع ينعكس سلبيًا على جودة التعليم ويضيف عبئا ماليًا إضافيًا على الأسر؛ وينتج حالة من العبث مدارس بلا طلاب، ومدرسين بلا ضمير لا يقومون بدورهم إلا خارج المدارس، ودولة عاجزة عن إدارة المنظومة، ووزارة كرتونية.
ضغوط الآباء والأمهات
تعيش الغالبية العظمى من الأسر المصرية تحت ضغوط هائلة لتحقيق النجاح الأكاديمي والتفوق، حيث يتوقع الآباء والأمهات من أبنائهم دخول كليات طب وهندسة أو ما يطلقون عليه كليات القمة وتحقيق مجاميع عالية. هذا الواقع يسبب ضغوطًا نفسية على الطلاب ويؤدي إلى تجاهل ميولهم وقدراتهم الفعلية.
التنمر على طلاب الكليات النظرية
في المجتمع المصري، يظل التحصيل العلمي محط تقدير واحترام. ومع ذلك، يواجه طلاب الكليات النظرية (الأدبية والفنون وغيرها) تنمرًا وتصنيفًا اجتماعيًا سلبيًا، مما يؤدي إلى تقليل قيمة إسهاماتهم وإبداعاتهم.
تجاهل قدرات ورغبات الأبناء
نتيجة ما سبق تتجاهل معظم الأسر المصرية ميول وقدرات أبناءهم الطلاب وتختار لهم ما يسمى بكليات القمة، وتفشت هذه الظاهرة بشكل أكبر مع انتشار الجامعات والكليات الخاصة والأهلية والتي تهتم بالمادة على حساب المجموع بالتأكيد، وفي الواقع هذه الممارسة هي ممارسة أنانية تعكس دون وعي رغبة الآباء في تحقيق أحلامهم أو تجاوز إخفاقاتهم على حساب أبنائهم، وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا.
ما يمكن لكل ذي عقل ملاحظته أن الواقع التعليمي في مصر يعكس صورة مأساوية عن مستوى التعليم والتطوير البشري، نحتاج قبل الانتقال إلى إجراء تغيير جذري في النظام التعليمي أن نعمل على توعية الأسر وأهالي الطلاب وتوسيع مداركهم لنقلهم من هذا الأفق الضيق إلى آفاق أكثر رحابة.