فى الغردقة بين قرشين
رامي جلال
أكتب هذا المقال وأنا على بحر مدينة الغردقة الجميلة، التي تضم مجموعة من أجمل الشواطئ الطبيعية على سطح كوكب الأرض، وهذا دون مبالغة.
عانيت مع المدينة متاعب من قرشين اثنين؛ القرش الأول هو الموجود في جيبى، حيث أخذت وقتًا كبيرًا لترتيب هذه السفرية الداخلية لأن أسعار الإقامة في الكثير من الفنادق المتميزة أصبحت شديدة الجنون؛ ارتفاعات غير مسبوقة (أزور الغردقة بضع مرات سنويًّا منذ حوالى ثمانى سنوات). أحد الفنادق التي اعتدت التواجد بها أصبح سعر الليلة الواحدة فيه تسعة آلاف جنيه مصرى!. (زيادة 500% خلال أربع سنوات). وهناك فنادق كبيرة أخرى وصل سعر الليلة فيها إلى حدود ضعف هذا الرقم. أنت مجبر على أن تقلل جودة ما تتلقاه من خدمة لكى تواصل قدرتك على التواجد بالمدينة.
قيل لى إن جزءًا من المشهد هو أن الموسم السياحى الحالى قد شهد تحويل تعاقدات الكثير من الأفواج السياحية الأجنبية من مدينة شرم الشيخ إلى مدينة الغردقة منذ مؤتمر المناخ، ويُقال إن الأسعار سوف تهدأ بدءًا من أغسطس القادم، وأشك في ذلك، فما يزيد عندنا لا ينقص كثيرًا. والطريف أننى خلال أسابيع سأزور عدة دول أوروبية، ليس من بينها ما يُكلف في الإقامة هذا الحد الهستيرى، حتى مع ارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الجنيه المصرى، أخذًا في الاعتبار طبعًا الفارق بين الإقامة في منتجع سياحى وبين التواجد في فندق صغير بأى عاصمة أوروبية.
بشكل عام يُلقى هذا الأمر بظلال على الكثير من شركات السياحة المصرية تروج للمقاصد السياحية، كوجهة سياحية، للسائح الأجنبى بسعر منخفض لا يتناسب عمومًا مع جودة شواطئها أو عراقة آثارها ولا مع تنوعها السياحى الكبير، فالأجنبى هنا يدفع في حدود رُبع ما يدفعه المصرى. يبدو أنه من المهم أن نعلم أن أعداد السيُاح مهمة، لكن نوعيتهم أيضًا هي أمر يجب عدم إهماله.
القرش الثانى كان سمكة قرش، من النوع «تايجر» (قرش النمر)، وهى كائنات بطيئة التكاثر، مهددة بالانقراض، تُعد هي الأشرس بين كل أنواع القروش كونها تتغذى على أي شىء تجده. وقد منعتنى إحدى تلك الأسماك المتوحشة من السباحة لمدة يومين (قليل البخت يطلع له القرش ع الشاطئ). زاد القرش الثانى معاناتى مع القرش الأول.
هاجم قرش النمر أحد السياح الروس بشكل وحشى على بُعد حوالى كيلومتر واحد من المكان الذي كنت أسبح فيه مع أصدقائى، قُتلت الضحية على الفور. وأخبرنى صديق روسى أن السائح الضحية ليس سائحًا بمعنى الكلمة ولا مقيمًا بدوام كامل! والقصة أن الشاب الراحل، 24 عامًا، قدم مع أسرته من روسيا منذ عدة أشهر هربًا من التجنيد في الحرب الروسية الأوكرانية، في محاولة للحفاظ على حياته، لكن يبدو فعلًا أن «مَن لم يمت بالسيف مات بغيره، تعددت الأسباب والموت واحد»، ولا هروب من الأقدار.
المتواتر أن أحد أهم أسباب الهجمة الأخيرة هو قيام تجار الماشية، ممن يستوردونها عبر البحر، بإلقاء ما نفق منها في المياه مما يُغير الأنماط السلوكية لتغذية القروش، التي تحاول تتبع طعم اللحم نفسه الذي أكلته من قبل، فتصطدم بالإنسان وتبدأ في تذوقه، ومن ثَمَّ قتله. والسبب المحتمل الآخر لدخول سمك القرش للمياه الضحلة هو محاولة إناث تلك الأسماك تأمين مكان لعملية الولادة.
في كل الأحوال، علينا دراسة ما حدث بشكل متأنٍّ، ومحاولة منع تكراره، فهجمات القرش شىء طبيعى ويحدث، لكن تكرارها- لا قدَّر الله- هو نمط لابد من إيقافه.. بارك الله في القرش الأول، ووقانا شر القرش الثانى.