كُتاب الترند العربي

من أين تبدأ مع “ستيفن سبيلبرغ”؟

بروغان موريس

لماذا قد لا يبدو هذا الأمر سهلًا؟

يمكن القول إنه لم يكن هناك أي مخرج سينمائي امتلك حب الجمهور مثل “ستيفن سبيلبرغ”. وقد حصدت أفلام “سبيلبرغ” مبالغ هائلة في شباك التذاكر أكثر من أفلام أي مخرج آخر، في حين يُنسب له الفضل مع جورج لوكاس في ابتكار ذلك النوع من الأفلام الرائجة التي لا تزال تملأ دور السينما حتى اليوم، لكنهما أُلقي عليهم اللوم بسبب ذلك.

على الرغم من أنه قد مر أكثر من 50 عامًا منذ أن بدأ مسيرته المهنية من خلال نجاح الفيلم التليفزيوني المرعب التي تدور أحداثه عن مطاردة على الطرق السريعة Duel لعام 1971، إلا أن لدى سبيلبرغ العديد من الأفلام بحيث يصعب على المبتدئ مشاهدتها – ففيلم سيرته السينمائية الجديدة “The Fabelmans” هو الفيلم رقم 34 في مسيرته السينمائية، وليست جميعها مخصصة ليتم مشاهدتها مع الفشار. وفي العصر الذي تهيمن فيه الأفلام الضخمة، توجه سبيلبرغ بشكل متزايد إلى إنتاج أفلام لجمهور ناضج: مثل الأفلام التاريخية، وأفلام الإثارة السياسية، والأفلام الدرامية حول الحروب والصراعات. وبالرغم من ليونة سبيلبرغ في التعامل مع الممثلين، وإنسانيته الفطرية المماثلة لتلك التي يتمتع بها فرانك كابرا، وأسلوبه السلس والبديهي في الإخراج مما يجعل أعماله نادرًا ما تكون مملة أو منهكة، إلا أن مواضيع أفلامه لم تعد مناسبة للعائلات كما كانت في السابق.

أفضل مكان للبدء فيلم “Raiders of the Lost Ark”

بعد أن أقام سبيلبرغ المشاهد المؤثرة والعروض باعتبارها تخصص له في فترته الجديدة في هوليوود، في الثمانينيات والتسعينيات أصبحت علامته التجارية، كمخرج، وأيضًا كمنتج أفلام ناجحة بما في ذلك فيلم “Who Framed Roger Rabbit” لعام 1988، وثلاثية “Back to the Future” (1985 إلى 1990)، مرتبطة بتقديم الترفيه للعائلات القائم على المؤثرات الحديثة. ومع ذلك، كان الفيلم الأول لسبيلبرغ في الثمانينيات عبارة عن فيلم رائج لا يزال يضع قدمًا واحدة في السبعينات الراديكالية. وتم تصويره بالتعاون مع جورج لوكاس ليكون، مثل «Star Wars»، فيلمًا مذهلًا تقنيًا في إعادة صياغة هوليوود الجديدة.

يطرأ تحديث أكثر صرامة على سلاسل أفلام المغامرات في أربعينيات القرن العشرين، ففيلم “Raiders of the Lost Ark” لعام 1981 من بطولة النجم هاريسون فورد، الذي يجسد شخصية الرجل المغامر في عالم الآثار إنديانا جونز، الذي يجعل سباقه للتغلب على النازيين في الوصول إلى فيلم “Ark of the Covenant” عملًا سينمائيًا شاملًا، فهو يضم عملية دقيقة ومحكمة لتصميم الحركة، وتأثيرات باهظة الثمن “ودموية”، ويتضمن أيضًا إحدى السمات العديدة والمألوفة من خلال الموسيقى التصويرية من قبل الملحن الدائم لأفلام سبيلبرغ، جون وليامز، كما أنه فيلم يحمل الكثير من المفاجآت بشكل متكرر.

في حين أن الفيلمين الآخرين لإنديانا جونز من إخراج ستيفن سبيلبرغ في الثمانينات وهما، إنديانا جونز “Temple of Doom” لعام 198، وإنديانا جونز “Last Crusade” لعام 1989، لهما متعتهما الخاصة، إلا أن فيلم “Raiders of the Lost Ark” يقدم مفاجآت أكثر، خاصة من خلال تقليب كاتب السيناريو لورانس كاسدان لمجازات الحركة والمغامرة. ويقدم كاسدان أيضًا لسبيلبرغ، الذي غالبًا ما يتعرض للانتقاد بسبب إخراجه الدائم للأفلام ذات النهايات السعيدة، نهاية مُحبطة ومغيرة للنوع السينمائي تترك البطل عرضة لأحداث خارجة عن سيطرته.

ما الذي يجب مشاهدته بعد ذلك؟

في ثلاث فترات مختلفة من مسيرته المهنية، كان سبيلبرغ مسؤولًا عن إخراج أعلى فيلم محقق للإيرادات في التاريخ السينمائي. يقدم كل من هذه الأفلام الثلاثة المحطمة للأرقام القياسية ترفيهًا متميزًا بالإضافة إلى التعريف ببعض الموضوعات الرئيسية للمخرج.

في فيلم «Jaws» لعام 1975، تطارد سمكة قرش بيضاء كبيرة منتجعًا شاطئيًا في نيو إنجلاند خلال موسم العطلات، مما يجبر ثلاثة أبطال عاديين من صنع سبيلبرغ على محاربة عدو غير بشري بلا رحمة، بالإضافة إلى رئيس بلدية ذو عقلية ربحية – وهو واحد من العديد من شخصيات السلطة غير الموثوقة والمهملة التي تظهر في أفلام المخرج. وفي فيلم «E.T. the Extra-Terrestrial» لعام 1982، وهي قصة خيالية تدور أحداثها في الضواحي عن صبي يتبنى الكائن الفضائي الذي يجده في الفناء الخلفي لمنزله، يعبر سبيلبرغ عن مشاعره تجاه طلاق والديه من خلال إحدى عائلاته المحطمة. وفي فيلم «Jurassic Park» لعام 1993، الذي يدمج الأنيماترونكس والتأثيرات الرقمية الرائدة لقصة الديناصورات التي تم إحياؤها وهي تعيث فسادًا، ستجد قدرة المخرج على كل من الإعجاب والرعب، بالإضافة إلى موضوع الخيال العلمي المفضل لديه لخطر التقدم العلمي غير الخاضع للرقابة.

بعد نجاح فيلم «Jaws»، كان فيلم «Close Encounters of the Third Kind» لعام 1977 أول فيلم «من أجل» المخرج، وأول فيلم يكتشف ما يمكن أن يثبت اهتمامه المهني طويل الأمد بالكائنات الطائرة المجهولة. ويتتبع فيلم «Close Encounters of the Third Kind» مجموعة متباينة أثناء محاولتهم فك شفرة سلسلة من زيارات الكائنات الفضائية، وهو أحد أكثر أعمال سبيلبرغ السينمائية البحتة، حيث يتمحور حول إجراءات من الخيال العلمي يبلغ ذروته في سيمفونية موسيقية ومؤثرات خاصة خالية من الكلمات تقريبًا.

حينما وجد سبيلبرغ الأمل في هذا النوع من الأفلام في نهاية السبعينات، وعندما عاد إلى أفلام الخيال العلمي ذات الميزانية الكبيرة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في فيلمين كلاسيكيين بائسين جديدين، أصبحت نظرته للعالم أكثر تعقيدًا. وفي فيلم «Minority Report» لعام 2002، الذي تدور أحداثه في عام 2054 حيث يمكن منع الجريمة قبل حدوثها، يكون توم كروز، وهو شرطي «ما قبل الجريمة»، مُطارد عبر واشنطن العاصمة المكتظة بالسكان تحت المراقبة المستمرة. وفي فيلم «A.I. Artificial Intelligence» لعام 2001 الذي طوره ستانلي كوبريك على مدار 20 عامًا، مع معالجته التي تم تكييفها وإخراجها من قبل سبيلبرغ بعد وفاة كوبريك، يأخذ نظرة أكثر غموضًا للمستقبل. ويروي قصة بينوكيو المعاد صياغتها حيث يقوم الطفل الآلي «هالي جويل أوسمنت» برحلة عبر القرن الثاني والعشرين غير المألوف بشكل مرعب، والفيلم فريد من نوعه في تقييمه اليائس للإنسانية.

ولد سبيلبرغ لأب مخضرم بعد عام واحد من انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبالإضافة إلى إنتاجه ملاحم تلفزيونية «على سبيل المثالBand of Brothers, The Pacific» وإنشاء سلسلة ألعاب فيديو «Medal of Honor» فقد أخرج العديد من الأفلام المميزة التي أثارها اهتمامه الدائم بالحرب. يروي فيلم «Empire of the Sun» قصة أخرى عن نمو الشخصية تستند إلى منظور فضولي لبطل الرواية الطفل، على الرغم من أنها تدور في معسكر احتجاز ياباني، حيث يشاهد جيمي «الذي يبلغ من العمر 13 عامًا ويجسده كريستيان بيل» طياري الكاميكازي يحلقون نحو مصيرهم المحتوم. ولا تزال المشاهدة الأكثر صرامة تتجسد في فيلمي «Schindler’s List» لعام 1993، و«Saving Private Ryan» لعام 1998، فالأول يعد فيلم قاسي ومرعب يصور المحرقة الهولوكوستية والثاني قصة غزو نورماندي الحيوي، والملحوظ فيها واقعية مشاهد القتال المشبعة بالطابع الوثائقي.

ابتداءً من منتصف الثمانينات مع فيلم «The Color Purple» لعام 1985، أصبح سبيلبرغ، بين الأفلام الرائجة، مخرجًا بارعًا للأفلام الدرامية ذات النطاق الأصغر، غالبًا ما تكون في إطار نوع خفيف، مع الإشارة إلى أميركا كموضوع أساسي. ويتم استكشاف الحلم الأميركي في مجموعة أفلام من الستينيات منها فيلم «Catch Me if You Can» لعام 2002، الذي يدور حول قصة نجاح غريبة للفنان المحتال المراهق فرانك أباغنيل الابن. وفي العبودية والإجراءات السياسية الأميركية في فيلم السيرة الذاتية «للرجل العظيم» الظاهري بعنوان «Lincoln» لعام 2012، الذي يدور حقًا حول العديد من اللاعبين المشاركين في إجراء التعديل الثالث عشر، وقد استكشف النظام القضائي وحالة الخوف الأحمر «Red Scare» في فيلم التشويق المبني على الحرب الباردة بعنوان «Bridge of Spies» لعام 2015؛ وتناول وسائل الإعلام وفساد البيت الأبيض في فترة حكم الرئيس نيكسون في فيلم «The Post» لعام 2017 المستوحى من نوع الإثارة والرعب في السبعينيات؛ والعنصرية النظامية في التحديث الموسيقي المتقن في فيلم «West Side Story» لعام 2021، وهو تعديل لعمل كلاسيكي أصبح أكثر ثراءً ببصمة الكاتب الدائم لسبيلبرغ، توني كوشنر «الذي عمل على أفلام مثل Lincoln, The Fabelmans».

بدأ تعاون كوشنر المثمر مع سبيلبرغ في فيلم «Munich» عام 2005، وهو أكثر أفلام المخرج يأسًا. بدأ عمل فيلم «Munich» في السنوات الأولى من الحرب على الإرهاب، كفيلم يروي قصة رجال في مهمة، مع مشاهد متوترة لعملاء الموساد وهم يغتالون أولئك الذين يعتقد أنهم مسؤولون عن مذبحة الرياضيين الأولمبيين الإسرائيليين عام 1972، قبل أن تتحول إلى دراسة مؤلمة لدورة سحيقة من الانتقام. صدر أيضًا في عام 2005 فيلم «War of the World» المروع بشكل غير مألوف، ويجد سبيلبرغ نفسه في نفس المكان المظلم، حيث تذكر مشاهد المدن والأشخاص الذين تحولوا إلى غبار بسبب أشعة الموت التي تذكره بأحداث 11 سبتمبر.

إن فيلم «The Adventures of Tintin» لعام 2011 هي حالة شاذة أخرى لسبيلبرغ، رغم المتعة التي يجلبها. ويمثل الفيلم أحد تجارب المخرج في صناعة أفلام التقاط الحركة «بما في ذلك أيضًا «The BFG» لعام 2016، و«Ready Player One» لعام 2018، وهو فيلمه الوحيد المصنوع بصيغة الرسوم المتحركة بالكامل، ويقدم فيلم «Tintin» تعريفًا حقيقيًا تصويريًا لتصميمات هيرجي المبالغ فيها بالخط الواضح، لإضفاء طابع فكاهي حي.

من أين لا يجب أن تبدأ؟

إذا كانت المغامرة الأولى لإنديانا جونز هي البداية المثالية مع سبيلبرغ، فإن فيلم إنديانا جونز الرابع هو مغامرة يجب حفظها لوقت لاحق. وكان سبيلبرغ يريد في البداية أن ينهي قصة إنديانا في فيلم «Last Crusade»، ولكن تم إغراؤه مرة أخرى ليترك إرثه في فيلم «Kingdom of the Crystal Skull» لعام 2008، والذي تعرض للسخرية بسبب رحلاته الهلوسية المبالغ فيها من التأثيرات الرقمية، لدرجة أنه ابتكر مصطلحًا يُستخدم عندما تظهر علامات التقدم على أحد السلاسل السنيمائية: «nuking the fridge قصف الثلاجة».

هناك العديد من الأفلام الرائجة في سجل سبيلبرغ الفني التي يعتبرها الكثيرون غير مثالية، لكن العديد منها لا يزال يستحق المشاهدة بسبب بعض المشاهد المذهلة: منها سلسلة من مشاهد القتل السيئة المبتكرة في “Jurassic Park sequel The Lost World” لعام 1997، وهو أقرب ما توصل إليه سبيلبرغ لصنع فيلم رعب صريح منذ فيلم “Jaws”. ومحاولة تصوير الفروسية في ملحمة الحرب العالمية الأولى “War Horse” لعام 2011؛ وفيلم Ready Player One، الذي يحاكي فندق Overlook Hotel من فيلم The Shining، أحد أفلام سبيلبرغ اللاحقة الأكثر إثارة للاهتمام في اقتراحه أنه قد يندب المناظر الثقافية الشعبية الحديثة التي ألقى البعض باللوم على المخرج فيها جزئيًا.

المصدر: سوليوود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى