أبرز ملامح القواعد المحدثة للمركز السعودي للتحكيم التجاري
د. مساعد سعود الرشيدي
لا شك أن سلسلة الإصلاحات التشريعية والاجتماعية والاقتصادية الشاملة التي تشهدها المملكة العربية السعودية في ضوء رؤية 2030 لتقطع بوجود ثورة تشريعية، جعلت المملكة رائدًا عالميًا في مجال التنافسية والابتكار، ومكّنها ذلك من الحصول على مراكز متقدمة عالميًا في الكتاب السنوي للتنافسية العالمية لعام 2024.
ومن ثمرة هذه الإصلاحات التشريعية، ما دشنته المملكة من قواعد للمركز السعودي للتحكيم التجاري عام 2023، والتي تُعد بحق أحدث ما توصل إليه التحكيم وفقًا للمعايير الدولية، وتمثل منعطفًا هامًا من منعطفات التطور السريع. ويأتي هذا التحديث في إطار معالجة المخاوف العملية والتجارية التي عبّر عنها مستخدمو التحكيم وممارسوه، وتهدف هذه القواعد إلى إنشاء بيئة آمنة وجاذبة للاستثمار الأجنبي والمحلي في المملكة، كما يدعم نظام الشركات السعودي استخدام التحكيم من خلال تقديمه آليات متعددة لتسوية النزاعات، وتعزيز ثقة المستثمرين، والحد من نزوح النزاعات إلى ولايات قضائية أخرى.
فالتحكيم يُوفّر آلية مُحايدة ومرنة لتسوية النزاعات، مما يُشجّع على الثقة القانونية والاقتصادية ويدعم النمو الاقتصادي المستدام في المملكة، وتحديث قواعده يجعلها ركنًا أصيلاً في رؤية المملكة 2030، ومن شأنه أن يعزّز من طموح المركز ليكون الخيار الإقليمي المفضّل لتسوية المنازعات.
ولما كانت المملكة العربية السعودية قد عولت في إرساء القواعد المحدثة عام 2023، والقواعد التي سبقتها والتي اعتمدت في 24 رجب 1437هـ الموافق 1/5/2016م، على قواعد القانون النموذجي للأونسترال للتحكيم التجاري الدولي، سواء تلك الصادرة في 1985 ، وبصيغتها المعدلة في 2006، أو تلك الصادرة في 2021، فإنها بذلك تكون قد واكبت أحدث المعايير الدولية لتحديث تشريعاتها في مجال التحكيم التجاري الدولي.
ويجعلنا ما سبق نتساءل عن المقصود بـ مجلس القرارات الفنية وما هي اختصاصاته؟ وكيفية تعزيز ودعم الرقمنة والممارسات الإلكترونية في إدارة القضايا، وهو الذي استحدث في قواعد إجراءات محكم الطوارئ لعام 2023؟ وما هي حالات رد المحكمين الجديدة؟
أولًا: المقصود بمجلس القرارات الفنية واختصاصات
يمكن تعريف مجلس القرارات الفنية في المركز السعودي للتحكيم التجاري بأنه: “هيئة مستقلة في المركز السعودي للتحكيم التجاري، تؤدي عددًا من المهمات المنصوص عليها في القواعد، وفي القواعد الداخلية لمجلس القرارات الفنية” (3)، والمجلس يتشكل مما لا يقل عن 12 عضوًا بما في ذلك الرئيس ونوابه (4).
وهذا يعني أن مجلس القرارات الفنية يعمل بشكل مستقل عن مجلس إدارة المركز وأعضائه (5).
أما اختصاصات مجلس القرارات الفنية فتتمثل في منح المجلس سلطة تحديد الجوانب الإدارية الرئيسية لعملية التحكيم، مثل: تعيين وعزل المحكمين، والنظر في طلب ردهم، وضم الدعاوى، ومراجعة أحكام التحكيم، والبت في حال وجود اعتراضات بشأن الدعاوى الناشئة عن، أو المرتبطة بأكثر من عقد، أو بأكثر من اتفاقية تحكيم، والتي تم تقديمها في طلب تحكيم واحد، والبت بشأن مكان التحكيم، والفصل في المنازعات المتعلقة بعدد المحكمين (6).
ثانيًا: تعزيز ودعم الرقمنة والممارسات الإلكــترونيــة في إدارة القضـــايا بالمركز السعودي للتحكيم التجاري
بدايةً، يجب أن نوضح أن قواعد إجراءات التحكيم الإلكتروني في المركز ظهرت لأول مرة في 19 صفر 1440هـ الموافق 10 أكتوبر 2018، وتم تنقيحها مرة واحدة في 18 ذو القعدة 1442هـ الموافق 1 يوليو 2021، ومن ثم أدخلت قواعد التحكيم الصادرة في 2023 تعديلات على هذه الإجراءات إلى جانب القواعد سالفة الذكر، منها ما يهدف إلى رفع جودة مستوى الخدمة المقدمة إلى أطراف القضايا، مثل إطلاق المركز السعودي للتحكيم التجاري خدمة التوقيع الرقمي، الذي أتاح بمقتضاها للأطراف التوقيع إلكترونيًا على ما يلزم من مستندات تصدر أثناء نظر النزاع دون حاجة إلى توقيعها ورقيًا، وهو الأمر الذي أدى إلى تجاوز حواجز المكان، وتسهيل استفادة أصحاب الأعمال من خدمات المركز مهما تباعدت أماكنهم، وهي خطوة تتواكب مع ما تسعى إليه لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (الأونسترال) نحو تعزيز الاعتراف بأحكام التحكيم الإلكترونية وتنفيذها، كما تشمل الخدمة التوقيع على أحكام التحكيم، والأوامر الإجرائية، وتعيين المحكمين والوسطاء، واتفاقات الأطراف (7) .
هذا وقد خصص الملحق الرابع من قواعد التحكيم للمركز لعام 2023 لقواعد إجراءات التحكيم الإلكتروني، فنص في مادته الأولى على نطاق تطبيقه، فاشترط لسريان قواعد إجراءات التحكيم الإلكتروني موافقة أطراف النزاع كتابةً، وشريطة ألا يتجاوز المبلغ محل المنازعة 200000 ريال سعودي، وهي قيمة المطالب به في الدعوى (8)، كما أوضحت القواعد كيفية تقديم الطلب إلكترونيًا (9)، وتحديد مكان التحكيم (10)، وكيفية الرد والدعوى المضادة (11)، وكيفية تعيين المحكم وطلب الرد (12)، ولغته، والتي ينبغي أن تكون اللغة العربية إلا إذا اتفق الأطراف على خلاف ذلك (13)، وكيفية إصدار الحكم استنادًا إلى المذكرات المكتوبة وجلسات الاستماع (14)، وتحديد المدة التي يجب أن يصدر فيها الحكم النهائي، والتي لا تتجاوز 30 يومًا من تاريخ تشكيلها، أو من تاريخ تأكيد التعيين في حال كان هناك طلب بالرد. (15)
ثالثًا: القواعد والإجراءات لمحكم الطوارئ في قواعد تحكيم المركز لعام 202
عرفت المادة الأولى من قواعد التحكيم 2023 محكم الطوارئ بأنه: “محكم فرد يفصل في قضايا تحكيم الطوارئ”.
أمّا قواعد وإجراءات محكم الطوارئ فقد اعتمدت لأول مرة في 19 صفر 1440هـ الموافق 10 أكتوبر 2018، وتم تنقيحها وفقًا لقواعد التحكيم الصادرة في 2023، وجاء تنظيم قواعد وإجراءات محكم الطوارئ لغاية أساسية تتمثل في سد الفراغ بين فترة وقوع النزاع ولحين إتمام تشكيل هيئة التحكيم، الذي قد يطول، والحاجة الماسة لأحد الطرفين لاتخاذ تدبير وقتي مستعجل لا يحتمل التأخير والانتظار، ولعل القواعد الصادرة في 2023 قد أتاحت ولأول مرة لأي طرف يرغب في اتخاذ تدبير مستعجل وفقًا للمادة 7 من قواعد التحكيم أن يرسل طلبًا ويرفق معه المستندات إلى المسؤول الإداري، على أن يقدم طلب تحكيم الطوارئ خلال 10 أيام، وإلا أنهى المسؤول الإداري إجراءات طلب التدبير (16).
ومن المميزات التي أدخلتها القواعد الجديدة، هو أن تعيين المحكم يتم من قبل مجلس القرارات الفنية خلال يوم واحد من تلقي الطلب (17)، ومنها أيضًا أن محكم الطوارئ يضع جدولًا إجرائيًا لنظر طلب التدابير المستعجلة في يومي عمل من تاريخ تعيينه (18)، كما يصدر الأمر أو الحكم المؤقت خلال مدة لا تزيد عن 14 يومًا من تاريخ إحالة ملف القضية إلى محكم الطوارئ، على أنه يجوز للمسؤول الإداري مد هذه المدة في أحوال استثنائية ومؤيدة بالمستند بناءً على طلب مسبب من محكم الطوارئ (19).
رابعًا: حالات رد المحكمين الجديدة في قواعد تحكيم 2023
أضافت قواعد التحكيم 2023 حالتين إضافيتين لطلب رد المحكم، وهما:
- إذا لم يقم المحكم بمهماته.
- إذا كان من الواضح أن المحكم لا يمتلك المؤهلات المتفق عليها.
المصدر: مساعد سعود الرشيدي



