جيل المريخ الجديد.. فريق “B” يفرض نفسه كجسر إنقاذ الكرة الحمراء في زمن اللعب خارج الديار
الترند العربي – متابعات
في وقت تعيش فيه الكرة السودانية واحدة من أكثر مراحلها تعقيدًا بسبب الحرب وتوقف المنافسات المحلية وتشتت الجماهير في الداخل والخارج، لم يعد بناء فرق جاهزة للمنافسة مجرد رفاهية، بل بات ضرورة لإنقاذ هوية الأندية واستعادة حضورها التاريخي في ساحات القارة. وسط هذا المشهد المضطرب، يقدّم نادي المريخ السوداني مشروعًا مختلفًا تحت اسم “المريخ B”، وهو مشروع لا يهدف لتشكيل فريق رديف فحسب، بل لرسم مستقبل النادي عبر منصة تطويرية تبني العناصر الشابة، وتحافظ على الاستمرارية الفنية في زمن غياب الملاعب والاستقرار الإداري داخل السودان. المشروع يتجاوز فكرة المشاركة في دوري محلي بربر أو خوض مباريات ودية؛ بل يقدم رؤية متكاملة لإعادة بناء النادي في العمق، تزامنًا مع استمرار الفريق الأول في المنافسات القارية خارج الوطن، وخاصة في رواندا حيث تُقام مباريات دوري أبطال أفريقيا.
يبدأ المشروع من فكرة بسيطة ذات بعد استراتيجي: إذا كان الفريق الأول يواجه ضغوط النتائج والجمهور والبطولات القارية، فمن سيحمل الراية خلال السنوات القادمة؟ ومن سيعوّض النزيف البشري الذي فرضته الحرب؟ ومن سيضمن استمرار الإرث الفني الذي عرف به المريخ؟ هنا يأتي دور الفريق الرديف كمسار طويل المدى لإنتاج قاعدة بشرية قادرة على حمل القميص الأحمر في المستقبل، وخلق نواة متجددة تتدرج نحو الفريق الأول عبر منظومة تدريبية واستكشافية مرتّبة.

انطلاقة المشروع داخل بربر
يقيم الفريق الرديف معسكره في مدينة بربر، ويخوض منافسات محلية وإعدادية بحثًا عن الاستقرار الفني. وقد شهدت الأيام الماضية لقاءً وديًا جمع المريخ B بنجوم بربر انتهى بفوز الفريق بهدف دون رد. رغم أن النتيجة ليست محور الاهتمام، فإن اللقاء منح الجهاز الفني فرصة لاختبار الجاهزية البدنية والتركيز الذهني للاعبين، خصوصًا أن المباراة جاءت بعد إلغاء مواجهة الإخلاص التي تم احتساب نتيجتها إدارياً بسبب ظرف طارئ متعلق بوفاة أحد أفراد الفريق المنافس. اختيار خوض مباراة ودية بعد إلغاء اللقاء الرسمي يعكس رغبة واضحة في الحفاظ على النسق البدني دون ترك اللاعبين بلا احتكاك، وهي نقطة أساسية في أي مشروع بناء طويل الأجل.

دور الإدارة في تثبيت مشروع بناء المستقبل
شهدت المباراة حضور نائب رئيس النادي للشؤون الرياضية اللواء إبراهيم طه، الذي أكد خلال خطابه للاعبين والجهاز الفني أن المشروع يمثل “النواة الأساسية لمستقبل النادي”. حديثه كان مباشرًا ويعكس إدراكًا بأن بناء فريق رديف ليس مشروعًا شكليًا بل خطة استراتيجية تستهدف إنتاج لاعبين قادرين على قيادة النادي في السنوات المقبلة. شدد طه على أهمية الانضباط والاجتهاد والعمل الجاد، وأكد أن مجلس الإدارة سيعمل على توفير كل الظروف المثالية التي تساعد الفريق على النمو. الرسالة كانت واضحة: لا مكان للمجاملة أو التواجد الرمزي، فالمشروع مرتبط بالمسؤولية والالتزام وبناء منظومة احترافية داخل نادي يعاني ظروفًا غير مسبوقة.
كما تعهّد طه بمتابعة الفريق بشكل مستمر عبر زيارات ميدانية، ما يضمن وجود إشراف مباشر وتقييم عملي للعمل الفني والإداري. هذه الخطوة ضرورية لتجنب المشكلات التي تعيق مشاريع الفئات السنية عادة مثل غياب الدعم المالي، ضعف التواصل بين الإدارة والجهاز الفني، وعدم وضوح المسارات التطويرية.

البيئة اللوجستية.. حين تصبح بربر نقطة ارتكاز استراتيجية
اختيار بربر كمحطة استضافة ليس قرارًا عشوائيًا، بل نتيجة لظروف اضطرارية وسياسية ورياضية. فمع انتقال الفريق الأول للعب في رواندا بقرار من الاتحاد الأفريقي، وتوقف النشاط المحلي في السودان، احتاج النادي إلى قاعدة ثابتة داخل البلاد تتيح استمرار تكوين اللاعبين. بربر توفر بيئة مناسبة من حيث الأمن النسبي، توفر الملاعب، وإمكانية استقطاب مواهب من المدن الشمالية والوسطى. ومع ذلك، يظل التحدي الأكبر في توفير مستويات احتكاك أعلى، لأن بناء فريق قوي يحتاج لمنافسات أكثر انتظامًا وترتيبات تطويرية تتجاوز حدود المناطق الريفية.

انعكاس المشروع على الفريق الأول
لا يمكن النظر إلى المريخ B بمعزل عن الفريق الأول الذي يواجه تحديات اللعب خارج الوطن، وتشتت الجماهير، وصعوبة استقطاب لاعبين أجانب في ظل الظروف السياسية. هذه التحديات أدت إلى اعتماد أكبر على اللاعبين الشباب، ما يجعل المشروع الرديف خط إمداد رئيسيًا. فوجود قاعدة جاهزة يعني أن النادي لن يكون مضطرًا إلى القيام بتعاقدات طارئة أو الاعتماد على لاعبين غير منسجمين. المشروع يهدف لتخريج لاعبين قادرين على التدرج من الدوري المحلي في بربر، إلى المشاركة مع الفريق الأول في رواندا، ثم العودة إلى الملاعب السودانية عندما تستقر الأوضاع.
النهج الفني.. مدرسة الصربي نوفيتش
يقود الفريق جهاز فني بقيادة الصربي دراكو نوفيتش، الذي يركز على أسلوب يعتمد على الاستحواذ المنضبط والضغط المتوسط والتحولات السريعة. ويولي اهتمامًا خاصًا لرفع اللياقة الهوائية وتقليل الأخطاء تحت الضغط، لأن الفريق يتعامل مع لاعبين يفتقرون إلى التجربة الدولية ويحتاجون لإعداد بدني مستدام. التدريب لا يقوم فقط على التمرين البدني، بل يشمل بناء شخصية اللاعب داخل الملعب، وتنمية القدرة على اتخاذ القرارات السريعة، وخلق نمط لعب موحد يمكن نقله للفريق الأول بسهولة.
أزمة كرة القدم السودانية.. السياق الذي يجعل المشروع ضرورة
توقف النشاط الرياضي في السودان لم يؤدِ فقط لتعليق المباريات، بل أثر على بنية الأندية من القاعدة إلى الاحتراف، وشمل توقف أكاديميات الناشئين، وغياب المنافسات السنية، وفقدان المواهب الصغيرة التي غادرت البلاد أو توقفت عن التدريب. في ظل هذا الواقع، لا يمكن للنادي أن ينتظر انتهاء الحرب حتى يبدأ عملية البناء، بل يجب أن يبدأ الآن للحاق بالمشهد الرياضي عندما تسترد البلاد عافيتها. لذلك يتحول الفريق الرديف من فكرة مكملة إلى ضرورة مصيرية تضمن الحفاظ على هوية النادي داخل المشهد القاري.
تأثير المشروع على الجماهير والهوية
أنصار المريخ لطالما اعتادوا على متابعة الفريق الأول في البطولات الكبرى، لكن وجود مشروع رديف يخلق مساحة جديدة للانتماء الجماهيري، حيث يبدأ المشجع في تتبع أسماء المواهب منذ بدايتها. هذه الخلفية تصنع ارتباطًا عاطفيًا طويل المدى، وتبني ذاكرة بطولية للمستقبل، كما تسمح بتوسيع قاعدة المشجعين لتشمل مناطق مثل بربر والولايات الشمالية التي لم تكن حاضرة بقوة في المشهد الرياضي سابقًا.
مصير المشروع بعد نهاية الحرب
عند عودة النشاط إلى السودان واستئناف اللعب داخل الملاعب الوطنية، لن يكون المشروع مجرد مرحلة انتقالية، بل سيكون بمثابة نواة تترسخ داخل الهيكل الإداري للنادي. يمكن تحويل المريخ B إلى فريق رديف دائم ينافس في دوري مستقل، مع إمكانية فتح باب الإعارة الدولية لإكساب اللاعبين خبرة إضافية، خصوصًا مع تزايد اهتمام أندية شرق أفريقيا بالمواهب السودانية الشابة.
هل يمثل المريخ B فريقًا احتياطيًا أم مشروعًا مستدامًا؟
المشروع يتجاوز المرحلة المؤقتة، ويهدف لتأسيس بنية دائمة تنتج لاعبين قادرين على تمثيل الفريق الأول مستقبلاً، خاصة مع امتداد الأزمة السياسية وغياب الدوري السني.
كيف يستفيد الفريق الأول من مشروع بربر؟
عبر تزويده بمواهب جاهزة فنيًا وبدنيًا، دون الحاجة لتعاقدات طارئة أو تغيير جذري في أسلوب اللعب، بما يخلق استمرارًا هوويًا داخل النادي.
هل يمكن توسيع المشروع ليشمل أكاديميات خارج السودان؟
نعم، يمكن ربطه بمراكز تطوير في دول الجوار أو في شرق أفريقيا لاحتضان اللاعبين خلال فترة الحرب، ما يضمن استمرار الإعداد دون توقف.
ما أكبر التحديات الحالية للفريق؟
قلة المباريات عالية المستوى، البعد الجغرافي، وصعوبة العمليات اللوجستية في ظل الظروف الاستثنائية داخل السودان.
اقرأ أيضًا: المريخ يستعد لمعركة كييوفو الرواندي بخطة تكتيكية جديدة وجرعات بدنية قبل الظهور الأول في الدوري الرواندي



