شهب الثوريات تضيء ليل السعودية.. عرض سماوي نادر تحت تأثير القمر
الترند العربي – متابعات
تشهد سماء المملكة العربية السعودية خلال هذا الأسبوع حدثًا فلكيًا لافتًا يستقطب اهتمام هواة الفضاء ومحبي التأمل في جمال السماء، وذلك مع وصول زخة شهب الثوريات الشمالية إلى ذروتها، حيث أعلنت الجمعية الفلكية بجدة أن هذه الليلة وحتى فجر الخميس ستكون الموعد الأنسب لرصد واحدة من أقدم الظواهر الفلكية المرتبطة بالمذنب الشهير “إنكي”، في عرض سماوي هادئ لكنه جميل، يجمع بين البهاء والهدوء، ويمنح المراقبين مشهدًا استثنائيًا في حال توفرت الظروف الجوية المناسبة.
وهذه الظاهرة، التي تتكرر سنويًا، تعد من الزخات التي لا تعتمد على كثافة الشهب بقدر اعتمادها على جمالها ووضوحها، حيث تمتاز شهب الثوريات بأنها بطيئة الحركة نسبياً، لامعة، وتترك خلفها خطوطًا ضوئية طويلة تلمع للحظة قبل أن تتلاشى في الأفق. ومع أن المعدل المتوقع لا يتجاوز خمسة شهب في الساعة وفق التقديرات الفلكية، إلا أن الكثيرين يترقبون هذا الحدث لما يحمله من سحر بصري لا يتكرر كثيرًا في سماء المنطقة.

موعد الذروة.. متى وأين يمكن مشاهدة العرض السماوي؟
وفقًا للتصريحات الصادرة عن رئيس الجمعية الفلكية بجدة، المهندس ماجد أبو زاهرة، فإن النشاط الحقيقي للزخة سيبدأ بعد منتصف الليل، وتحديدًا عند الساعة الثانية عشرة تمامًا بالتوقيت المحلي. وفي هذا الوقت تكون نقطة إشعاع الشهب – أي النقطة التي تظهر منها الشهب على نحو وهمي – مرتفعة إلى نحو 85 درجة فوق الأفق الشرقي في كوكبة الثور، وهي مكان معروف لدى الهواة وعشاق الفلك ممن يتجهون إلى مراقبة الظواهر السماوية.
ويؤكد الخبراء أن الوقت الممتد بين منتصف الليل وحتى الفجر هو الفترة الذهبية لرصد الشهب عمومًا، وذلك بسبب دخول الأرض في الجزء الأكثر كثافة من بقايا الغبار التي خلفها المذنب “إنكي”، إضافة إلى أن هذه الفترة تكون السماء فيها أكثر ظلمة عادة، باستثناء تأثير ضوء القمر هذا العام الذي من المتوقع أن يضيق خيارات المشاهدين قليلاً.
ومع ذلك، فإن وجود القمر في طور التربيع الأخير لا يمنع إمكانية الرصد، بل يقلل فقط من عدد الشهب الخافتة، بينما يظل بإمكان الهواة مشاهدة الشهب اللامعة والبطيئة التي تميز زخة الثوريات، وهي على أي حال الأكثر جمالًا وإبهارًا، والأقرب لعدسات المصورين المحترفين ومراقبي الظواهر الفلكية.

لماذا تُعد شهب الثوريات مختلفة عن بقية الزخات السنوية؟
تتميز زخة الثوريات الشمالية بعدة صفات تجعلها محط اهتمام خاص، رغم كونها من أقل الزخات إنتاجًا للشهب. فمعظم الزخات الشهيرة مثل البرشاويات أو الأسديات تعتمد على كثافة الشهب وسرعتها الكبيرة، بينما تنفرد شهب الثوريات بعدة سمات جمالية تجعل مشاهدتها تجربة مختلفة.
ومن أبرز هذه السمات بطء الشهب نسبيًا مقارنة بغيرها، فقد تستغرق الشهاب الواحد وقتًا أطول لتخترق السماء، حتى تبدو وكأنها تنساب بخفة فوق الأفق، مما يتيح فرصة أكبر لمتابعتها بالعين وتوثيقها بالكاميرات. هذا بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الشهب اللامعة التي تعرف أحيانًا باسم “الكرات النارية”، وهي شهب أكثر سطوعًا من النجوم المعتادة، وربما تتجاوز لمعان كوكب الزهرة في بعض الحالات.
وهذه الكرات النارية ليست نادرة تمامًا لكنها أكثر حضورًا ضمن زخة الثوريات، ما يضيف لمسة بصرية مميزة تعزز من رغبة الهواة في ترقبها، خاصة في المناطق المفتوحة التي تقل فيها الإضاءة.

المذنب “إنكي”.. الأب التاريخي لشهب الثوريات
يرتبط هذا العرض السماوي السنوي بالمذنب الشهير “إنكي”، وهو أحد أقدم المذنبات التي تمت دراستها وتوثيق دورتها في التاريخ الفلكي الحديث. وبحسب ما ذكرته الجمعية الفلكية بجدة، فإن المذنب “إنكي” يترك خلفه كمية كبيرة من الجسيمات الغبارية الدقيقة أثناء دورانه حول الشمس، وهي جسيمات تدخل الغلاف الجوي للأرض كل عام في مثل هذا الوقت، فتولد الشهب التي نراها بالعين المجردة.
وتسافر هذه الجسيمات بسرعات هائلة تصل إلى عشرات الكيلومترات في الثانية، وعندما تصطدم بالغلاف الجوي على ارتفاع يقارب 100 كيلومتر، تبدأ بالاحتراق، فيتولد الضوء الذي نراه في السماء على شكل خطوط لامعة. ورغم أن احتراق هذه الجسيمات يحدث في غضون أجزاء من الثانية، إلا أن المشهد الناتج يكون جذابًا بما يكفي لأن يصبح من أبرز ظواهر الخريف الفلكية سنويًا.
ويعد المذنب “إنكي” حالة فريدة من نوعها بين المذنبات نظرًا لقصر مداره حول الشمس، إذ يكمل دورة كاملة كل 3.3 سنوات تقريبًا، وهو ما يجعله حاضرًا بشكل دائم في محيط الأرض ويزيد من فرصة ظهور ظواهر مرتبطة به مثل شهب الثوريات.
كيف يؤثر القمر على المشاهدة هذا العام؟
وجود القمر في طور التربيع الأخير يشكل تحديًا صغيرًا أمام مراقبي الشهب هذا الأسبوع، إذ سيظهر القمر مضيئًا خلال النصف الثاني من الليل، ما يؤدي إلى رفع مستوى الإضاءة في السماء، وبالتالي حجب الشهب الخافتة. ولكن هذا التأثير لا يطال الشهب اللامعة التي تشتهر بها الثوريات، والتي يمكن رؤيتها بوضوح despite وجود القمر.
ولذلك، ينصح الخبراء بالتوجه إلى الأماكن البعيدة عن مصادر الضوء الصناعي، مثل المناطق البرية الواسعة أو الشواطئ المظلمة أو المناطق الجبلية، حيث تكون السماء أكثر نقاءً، وتظهر الشهب اللامعة بسهولة أكبر.
كيف تستعد لرصد الشهب؟ نصائح للهواة والمصورين
رغم أن هذه الظاهرة لا تحتاج لأي معدات معقدة، فإن الاستعداد الجيد يساعد على تحسين فرصة الاستمتاع بالمشهد. يُفضّل أن يكون المراقب في مكان مظلم تمامًا بعيدًا عن إضاءة المدن، وأن يعطي عينيه نحو 20 دقيقة للتأقلم مع الظلام قبل بدء الرصد الفعلي.
كما يُنصح بعدم التركيز على نقطة الإشعاع نفسها، بل توجيه النظر إلى مسافة أبعد قليلًا لالتقاط المسارات الطويلة للشهب. أما المصورون، فيمكنهم استخدام الكاميرات ذات العدسات الواسعة، وإعدادات التعريض الطويل، لضمان تسجيل أجمل اللقطات.
ويفضل تجهيز بطانيات أو مقاعد مريحة نظرًا لطول مدة الانتظار، بالإضافة إلى مشروبات دافئة خاصة في المناطق التي تنخفض فيها درجات الحرارة خلال ساعات الليل المتأخرة.
دور الجمعية الفلكية بجدة في نشر الوعي الفلكي
تؤدي الجمعية الفلكية بجدة دورًا محوريًا في تثقيف المجتمع السعودي بالظواهر السماوية، سواء عبر نشر المعلومات التفصيلية حول الأحداث الفلكية المهمة، أو من خلال تنظيم فعاليات الرصد المفتوحة للجمهور عند حدوث الظواهر الكبرى مثل الكسوف والخسوف، أو زخات الشهب الكبرى مثل البرشاويات والتوأميات.
وتحرص الجمعية على تقديم تفسير علمي دقيق ومبسط في الوقت نفسه، يساعد الجمهور على فهم خلفيات الظواهر الفلكية دون مبالغة أو تهويل، ويسهم في تعزيز الوعي العلمي، وتشجيع الهواة على الانضمام إلى أنشطة الرصد.
ويُعد هذا النهج العلمي المتوازن أحد أبرز أسباب انتشار ثقافة متابعة السماء في السنوات الأخيرة داخل المملكة، حيث باتت هذه الأنشطة جاذبة للعائلات والشباب والطلاب، خاصة مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي التي ساعدت على نشر الصور الفلكية ومشاركتها مع جمهور واسع.
العلاقة الزمنية بين الثوريات الجنوبية والشمالية
من الجدير بالذكر أن زخة الثوريات ليست نوعًا واحدًا فقط، بل تنقسم إلى فرعين رئيسيين: الثوريات الجنوبية، والثوريات الشمالية، وكلاهما مرتبطان بالمذنب “إنكي”. وقد بلغت الثوريات الجنوبية ذروتها قبل أيام قليلة، بينما تأتي الثوريات الشمالية في هذا الأسبوع، بنشاط أقل لكنه أكثر وضوحًا من حيث الشهب اللامعة.
وتقع ذروة النشاط بين أواخر أكتوبر ومنتصف نوفمبر من كل عام، وتتميز هذه الفترة باعتدال الأجواء، ما يجعلها مثالية للرصد في المملكة ودول الخليج العربي.
س: هل يمكن مشاهدة شهب الثوريات بالعين المجردة؟
نعم، يمكن مشاهدتها دون الحاجة لأي معدات، بشرط اختيار موقع مظلم بعيد عن الإضاءة.
س: هل تعتبر شهب الثوريات غزيرة؟
لا، فهي هادئة نسبيًا، بمعدل خمسة شهب في الساعة فقط، لكنها تتميز بجمال مساراتها وطولها.
س: ما علاقة هذه الشهب بالمذنب “إنكي”؟
هي ناتجة عن مرور الأرض عبر الغبار الذي يخلفه المذنب “إنكي” أثناء دورانه حول الشمس.
اقرأ أيضًا: 10 معلومات عن أكبر بدر يزين سماء الأرض الليلة
