نعمة الطلاق

عمر غازي
في عام 2019، نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تقريرًا عن امرأة خمسينية كانت تحتفل في حفل صغير بمرور عام على طلاقها، لم تكن تحتفل بنهاية الزواج، بل ببداية حقيقية لحياة كانت مؤجلة لسنوات، تقول إنها لم تدرك كم كانت تختنق إلا حين تنفست وحدها لأول مرة، لم يكن طلاقها هروبًا، بل تحررًا من علاقة لا تمنح، بل تأخذ، ولا تبني، بل تستهلك، يومها فقط، فهمت أن الطلاق ليس دائمًا خسارة، بل قد يكون أعظم مكسب.
الناس يهابون الطلاق لأنه ارتبط في وعيهم بالنهاية، بالحزن، بالانكسار، وكأن الزواج عقد أبدي لا يمكن الرجوع عنه، حتى وإن تحوّل إلى ساحة معركة أو سجن صامت، لكن الواقع مختلف، فالطلاق قد يكون نعمة حين يغدو الزواج عبئًا، حين تُستنزف المشاعر وتُطفأ الأرواح وتذبل الأحلام، ففي دراسة صادرة عن جامعة شيكاغو عام 2020، أظهرت النتائج أن 58% من النساء و45% من الرجال أقرّوا بأن جودة حياتهم النفسية والاجتماعية تحسنت بشكل ملحوظ بعد الطلاق، مقارنة بفترة زواجهم الأخير.
المجتمعات المحافظة تميل إلى تقديس الشكل على حساب الجوهر، تُبارك استمرار الزواج ولو كان خاويا، لكنها تهاجم قرار الطلاق ولو كان طريق النجاة، تُشجع الناس على الصبر حتى وهم ينهارون، وتُطالبهم بالمزيد من التنازلات، ولو كانت على حساب الكرامة، أو الصحة النفسية، أو تربية الأبناء في بيئة مشوهة، بينما تُظهر دراسات نفسية عديدة أن الأطفال الذين ينشؤون في منزلين متفهمين أكثر استقرارًا من أولئك الذين ينشؤون وسط صراعات دائمة تحت سقف واحد.
الطلاق ليس فشلًا، بل أحيانًا يكون شجاعة، شجاعة أن تعترف بأنك لا تصلح لشخص ما، أو أنه لا يصلح لك، شجاعة أن تعيد رسم حياتك رغم الخسائر والتكلفة، شجاعة أن تختار أن تبدأ من جديد بدلًا من أن تبقى في ما يُنهكك ويذيبك ببطء، ففي دراسة أجرتها جامعة تورونتو عام 2018 على عينة من المطلقين الذين مرّ على طلاقهم أكثر من عامين، تبين أن أكثر من 70% منهم شعروا بالارتياح، وليس الندم، ما إن تجاوزوا الصدمة الأولى، لأنهم اختاروا حياتهم بدلًا من الوهم.
السؤال إذًا ليس عن استمرارية الزواج، بل عن جدواه، هل نبقى لأن البقاء واجب؟ أم لأن فيه حياة؟ هل نُكمل لأننا خائفون من نظرة الناس؟ أم لأننا نؤمن بأن ما بيننا لا يزال يستحق؟ الطلاق ليس لعنة، بل حل، لكنه ليس حلًا سهلًا، هو قرار يحتاج إلى شجاعة، وصدق مع الذات، وفهم أن العلاقات الإنسانية ليست أبدية بالضرورة، وأن بعض النهايات ليست إلا بدايات مؤجلة.
ويبقى السؤال: هل نخشى الطلاق لأنه مرّ؟ أم لأننا لا نملك الشجاعة للاعتراف بأن بعض العلاقات، مهما طال أمدها، لم تكن تستحق أن تُعمّر؟