
الودّ الكاذب
محمود عبدالراضي
في زحام الحياة، تُرفع الأقنعة لا بإرادتنا، بل بقسوة الأيام، فبين أكتاف الشدة تُسقط الريح أوراق التوت عن متصنعي الود، وتفضح الخصومة نوايا متصنعي الأخلاق، أما الحب الزائف فتفضحه أول مصلحة وأول مفرق طريق.
الناس أنواع، لا تكتشفهم إلا حين تسير الحياة على غير ما هو معتاد، في الرخاء، الجميع ودود، الجميع كريم، الجميع يحبك، لكن عند أول وجع، أول خصام، أول لحظة تتعارض فيها مصالحهم مع وجودك، تظهر النسخة الأصلية، نسخة بلا رتوش ولا مجاملات ولا زينة.
إن متصنع الود يشبه ورقة ورد بلا عطر، مظهرها آسر لكن لا روح فيها، تسقط سريعًا حين تعصف رياح الشدة، تراه يربت على كتفك في يوم الزينة، ويختفي كأنه لم يعرفك إن تعثرت خطاك في يوم الحزن.
ومتصنع الأخلاق، ذاك الذي يرتدي سترة الفضيلة في المجالس، يسقط عنها القناع حين تحتدم الخصومة، يفتح دفاتر النوايا، ينكأ الجراح، ويستخدم الأخلاق كأداة لا كمبدأ، الأخلاق الحقيقية لا تعرف التوقيت المناسب، هي ثابتة كالنور، لا تُطفأ في الظلام.
أما الحب المصنوع من مصلحة، فقصير النفس، هشّ، كأنما هو غلاف شوكولاتة فاخر يغلف قطعة من البلاستيك، يبدو دافئًا، لكنه بارد في الجوهر، أول ما تتعارض المصلحة، يتحول الحبيب إلى خصم، والمحب إلى مغادر، لا يلوح، لا يعتذر، فقط يرحل.
فلا تراهن على ودٍّ لم تختبره الأيام، لا تغتر بمن يبتسم في النهار، إن لم تره في عتمة ليلك، لا تؤمن بمحبة لم تمشِ معك حافي القدمين في دروب التعب، ولا تُعلي من شأن خُلقٍ لم ينجُ من اختبار الغضب.
الحياة ليست ما نراه في اللحظات الناعمة، بل ما نكتشفه حين تتكشر الحياة عن أنيابها، هناك فقط، نعرف من يقف معنا بلا مقابل، ومن ينتظر سقوطنا ليكمل طريقه دون التفاتة.
فتمسك بمن عرفك حزينًا ولم يهرب، غضبانًا ولم يشتم، مفلسًا ولم يتعالَ، ضعيفًا ولم يستقوِ، هؤلاء قِلّة، لكنهم أثمن من كنوز الود المصنوع، وأغلى من زيف العلاقات المغلفة بالكلمات المنمقة.
وفي زمن باتت فيه العلاقات تُدار بمنطق “ما الذي سأجنيه منك؟”، يصبح الوفاء بطولة، والثبات معجزة، والمحبة الصادقة نادرة كأنها من زمن لم نعد نراه.
المصدر: اليوم السابع