كُتاب الترند العربي

المنصّات الإلكترونية والتغيُّر الاجتماعي

علي محمد رحومة

تتأسّس متطلبات التطوير المخطّط له عالميًا للشبكات الاجتماعية بأنواعها، على تطور مفهوم التغيّر الاجتماعي في العصر الرقمي، الذي أصبح يرتبط وثيقًا بالمنصّات الاجتماعية الإلكترونية، وهي تحديدًا جميع الوسائط الرّقمية “social media”، والتي تشمل: مواقع الويب، والتطبيقات التفاعلية، ومختلف الأنظمة الأساسية الأخرى التي تُتيح للمستخدِمين مشاركة المعلومات والأفكار مع المجتمعات الافتراضية، من خلال النصوص والصور ومقاطع الفيديو وغيرها… وتزداد أعداد مستخدِميها عالميًّا يومًا بعد يوم بشكل متواصل، حيث تشير آخر الإحصائيات إلى أنّ حوالى 64% من سكان العالم يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي على مدار الساعة، لأسباب شخصية ومهنية.

إنّ التغيّر الاجتماعي يتعلّق في أساسه بتغيير الوعي والتفكير البشري استهدافًا لتغيير القيم والمعايير، فتتغيّر بذلك الرّموز والعلاقات الاجتماعية والأنظمة والسلوك. وبالتّالي، فالتغيُّر يقع ضمن دائرة التغيُّر الثقافي، ويختصّ بالجانب اللّامادي للثقافة، وينعكس في تبدّل الأدوار الاجتماعية للأفراد والجماعات خلال فترة من الزمن، بمعنى تحوّل عناصر نظام الظاهرة الاجتماعية من التجانس إلى اللّاتجانس بفعل التفاعل الطارئ الجديد، مكوّنًا نظامَ علاقات جديدة. ومن ثم بفعل هذا التغيّر اللّامادي أوّلًا يحدث التغيّر المادي تاليّا.

بصفة عامة، في حركة المجتمعات البشرية، يمكن أن يحدث التغيّر الاجتماعي من التدريجي البسيط إلى الرّاديكالي إلى الثورة إلى حالة الانهيار النهائي، أي “تحطيم الوحدة الاجتماعية أو الثقافية نهائيًّا، واستبدالها بوحدة أخرى من نوعٍ جديد”. هذا الأمر، يشير إلى نسبيّة الظاهرة الاجتماعية وتداخلها في ظواهر أخرى، وسرعة تغيّرها؛ فيصعبُ قياسُها وإجراءُ التجارب عليها، وعند ظهور نتائجها تكون الظاهرة الاجتماعية قد تغيّرت. ولا يسعنا في واقع الأمر، والحالة هذه، إلّا مقاربة الظاهرة الاجتماعية، بمعنى رصْدها قدر الإمكان، وتحليلها، وتفسيرها، في ضوء نظرية اجتماعية علمية واحدة، أو أكثر.

غير أنّ الأمر ازداد تسارعًا، وتداخلًا، وتعقيدًا، في ظلّ التطورات التّكنولوجية الخطيرة الأخيرة، وبخاصةٍ خلال العقد الأخير تحديدًا، فظهر ما يمكن وصفه بمفاهيم جديدة للتغيُّر. مثلًا، أصبح يلاحَظ أنّ التغيُّر الاجتماعي يشير إلى ما قد نسمّيه بالتغيُّر الامتدادي، إن صحّ التعبير! ونعني به تغيُّر المهارات المكتسبة امتدادًا للقدرات الإنسانية الطبيعية، مثل إمكانات الذّكاء الاصطناعي الْمُؤَنْسَنَة؛ أي أنّ التغيُّر هو تغيُّر أو تبدُّل آلي (مُصنَّع)… إنّه دخول العنصر الآلي في التغيُّر. لقد أصبح تغيُّرنا يأتي إلينا من خارج طبيعتنا البشرية!… وبعبارة أخرى تغيُّر تكنو-اجتماعي يفرض نفسَه.

قد يكون هناك، في هذه المرحلة، وعيٌ بشري كافٍ بتغيُّرات المهارة، ما يُتيح للإنسان فرصة التحكم والاختيار والانتقاء (سلبًا وإيجابًا)… وقد تلتبس بعض الأمور إلى ما بعد ظهور النتائج. خصوصًا بعد ازدياد التآلف البشري – الآلي في عملية التغيُّر… وذلك نظرًا للتطوّر المتسارع لتكنولوجيا الذكاء، واستخدام البيانات الضخمة، وأنظمة المعرفة المتنوّعة، وما في حكمها.

المرحلة المقبلة للتطوير التّكنولوجي تتطلّب تفكيرًا عميقًا وواسعًا يتجاوز التّكنولوجيا نفسها
السؤال هنا: هل تُحسب القيم والمعايير الإنسانية في التغيّر الجديد؟ هل يُعتبر أنه تغيُّر التفكير البشري المحض؟ أم أنّ للآلة قيمها ومعاييرها… ومثلما لها ذكاؤها سيكون لها تفكيرها الخاص؟!… حتى الآن، لا يوجد إلّا النقاش والجدل البشري حول هكذا موضوعات… قد يتعلّق الموضوع بالطرح الفلسفي، كما يراه الكثيرون… لكن هناك من العلماء المختصين في الذّكاء الاصطناعي من يرفض تمامًا التدخل الفلسفي الذّاتي في الموضوع، باعتباره موضوعًا علميًّا بحتًا.

في لقاء حواري لعدد من حائزي جائزة “نوبل” أجرته الإعلامية المرموقة (السودانية الأصل) زينب بدوي، وأُذيع في قناة “بي.بي.سي” الإخبارية في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي 2024؛ برزت آراء متوافقة إلى حدّ ما بين المتحاورين حول أنّ المرحلة المقبلة للتطوير التّكنولوجي تتطلّب تفكيرًا عميقًا وواسعًا يتجاوز التّكنولوجيا نفسها، بمعنى ضرورة أن نفهم بشكلٍ أفضل ما الذي يجعلنا واعين؟ وإنسانيّين؟ أي ما الذي يُحدث الوعي؟ والشعور بالكينونة الإنسانية المتميّزة عن بقية الكينونات الأخرى؟ وليس مجرّد معرفة الوعي في حدّ ذاته!… وأهمية الغوص أعمق في مثل هذه الأسئلة. بعبارة أخرى، يجب أن نتساءل عن وجودنا، وما الذي يجعل وجودنا أكثر معنى؟!

المصدر: عروبة 22

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى