الارتقاء بالصناعة السعودية
لطالما عملت السعودية على تعزيز كل البرامج والخطط التي تحدُّ من الانبعاثات الحرارية، وتحمي البيئة من الملوثات التي تصيب الإنسان والنبات بالأضرار الجمة. وامتدت جهود السعودية في هذا الملف إلى أبعد من ذلك، عندما واكبت كل المطالب والتوصيات الصادرة من المنظمات الدولية، فضلاً عن قيامها بمبادرات عملاقة، تحارب بها التغير الحراري، بدءًا من مبادرة “الرياض الخضراء”، و”السعودية الخضراء”، و”الشرق الأوسط الأخضر”.
اليوم تخطو السعودية خطوة وثابة في ملف التغيُّر المناخي، بافتتاح أول مصنع في السعودية لصناعة الوقود الحيوي صفري الكربون، أو ما يطلق عليه الـ”البايوديزل”، وذلك في مدينة الجبيل. ويستهدف المصنع تحويل مخلفات زيوت الطهي الضارة وزيت النخيل وزيت عباد الشمس إلى طاقة نظيفة.
أستطيع التأكيد أن تأسيس مصنع الوقود الحيوي هو بداية عهد جديد في السعودية، يشهد الارتقاء بالصناعة السعودية، ويُعلي من شأنها، ويدفع بمسيرتها إلى الأمام، من خلال حرصها في المحافظة على البيئة نقية وخالية من الملوثات؛ وهو ما يعزز من الاستراتيجية الوطنية للصناعة، التي أُطلقت قبل أيام قليلة، ويؤسس لقطاع صناعي ضخم، قادر على تحقيق كل متطلبات الرؤية، من تنويع مصادر الدخل القومي، وتوفير فرص العمل للشباب.
ولا أبالغ إذا قلت إن التزامن بين تأسيس أول مصنع للوقود الحيوي وإطلاق الاستراتيجية الوطنية للصناعة ليس عشوائيًّا، وإنما يكشف عن خطط الرؤية طويلة المدى، ورغبتها في إيجاد قطاع صناعي محلي، بمواصفات عالمية. أولى هذه المواصفات أن تكون المصانع متماشية مع الشروط والمعايير الدولية، التي تحدُّ من ظاهرة التغير المناخي.
ولمن لا يعرف، فالاستراتيجية الوطنية للصناعة دعت إلى الاهتمام بالصناعات التحويلية في الكثير من المجالات، وفي مقدمتها الطاقة والبتروكيماويات. وهذا يشير إلى توجهات السعودية بافتتاح مئات المصانع الجديدة قريبًا، التي ستكون القادرة على صناعة منتجات كثيرة، اعتمادًا على المواد الخام التي تتمتع بها السعودية.
هذه المصانع حتمًا ستراعي كل ما هو جديد وحديث من معايير المحافظة على البيئة، والحد من الانبعاثات الكربونية الضارة؛ ما يعني أننا أمام ثورة صناعية، تقود المشهد الاقتصادي السعودي إلى العالمية.
خطوة إنشاء المصنع، والاستراتيجية الوطنية للصناعة، ليست ببعيدة عن توجهات السعودية المدرجة ضمن رؤية 2030 في الحد من ظاهرة التغير المناخي، وتعزيز مبدأ الاستدامة في الحفاظ على البيئة، في إطار خطط علمية متدرجة، تفضي إلى الوصول إلى الحياد الصفري بحلول عام 2060م. وتعكس هذه التوجهات حجم طموحات الرؤية الأوسع نطاقًا لتسريع عملية الانتقال الطاقي، وتحقيق أهداف الاستدامة، وقيادة موجة جديدة من الاستثمارات في هذا المجال.
أقول ما سبق أن أكدته أكثر من مرة بأننا تحت مظلة رؤية 2030 نستشرف المستقبل، ونحقق كل ما نحلم به، ونسعى إليه، من خلال مواكبة كل ما هو جديد وحديث.. وغدًا سوف نقطف ثمار تلك الرؤية في وطن نموذجي، يتمتع بكل المزايا النسبية، وعلى رأسها الحد من التلوث البيئي.