آراء

بين حرية الأفلام المستقلة ومساومة الأفلام التجارية

محمد عبدالله الأنصاري

دائمًا ما يكون التمييز بين الأفلام المستقلة وغير المستقلة موضع نقاش. السينما المستقلة، التي تتميز بحريتها الفنية وروحها الإبداعية، كثيرًا ما تكون ميزانيتها هزيلة ومتواضعة. ازدهر هذا النوع كملجأ للمخرجين الذين يجرؤون على تحدي الواقع المتكرر. في المقابل، تُنتج الأفلام التجارية أو التسويقية غالبًا من قبل الاستوديوهات الكبيرة، وهي تستهدف جماهير أوسع وتلتزم بهيكل تسويقي تجاري واضح. المجال السينمائي هو متجر متنوع الأصناف، ومخرجو السينما المستقلة يملكون المنتجات الأكثر إثارةً وعمقًا.

غالبًا ما يتم الاحتفاء بالأفلام المستقلة بسبب إبداعها الخام، وحريتها غير المحددة، وعدم تقييدها بقيود الاستوديوهات وآرائها التسويقية، مما يمنح المخرجين حرية استكشاف السرد والمواضيع المثيرة لاهتمام المشاهدين. أحد رواد السينما المستقلة المحلية هو المخرج «محمد السلمان» المعروف بأسلوبه البسيط وسرده المميز في فيلمه «أغنية الغراب» عام 2022، هذا الفيلم هو مثال رئيسي على السينما المستقلة بغض النظر عن الانتقادات الموجه له بسبب اختياراته الفنية، إلا أن أسلوبه الهادئ العميق وسرده الفريد لجوهر القصة أضاف بُعدًا للسينما السعودية.

على عكس ذلك، تبنى استراتيجية الأفلام التجارية ذات الميزانيات العالية لجمهور أوسع، مصاحبة باستثمارات من الاستوديوهات الكبيرة من أجل المحاولة للوصول لأكبر عدد ممكن من المشاهدين. عُرف المخرجان «الأخوان قدس» بتأثيرهما الكبير على الأفلام التجارية المحلية؛ فيلمهما الرائع «شمس المعارف» عام 2020 جمع وبشكل غريب في ذلك الوقت بين الحبكة والواقع، والذي يعتبر الآن إحدى كلاسيكيات السينما العربية.

على الضفة الأخرى، يمكن لمخرجي الأفلام المستقلة في كثير من الأحيان كتابة مواضيع بأساليب قد لا تجد قبولًا في الاستديوهات الكبيرة. مشعل الجاسر، المعروف بأسلوبه الغريب والمثير للاهتمام في سرده غير التقليدي، هو أحد هؤلاء المخرجين، منذ عام 2016 في فيلمه «سومياتي بتدخل النار» تحدى مشعل الأسلوب التقليدي سواء في السرد القصصي أو في اختياراته البصرية، بقصة تروى من قلب مجتمعنا، كما يُمثل عمل الجاسر الحرية الفنية، التي تميز السينما المستقلة المحلية.

عودةً إلى أفلام الاستديوهات التي غالبًا ما يكون مخرجوها مقيدين بالاعتبارات التجارية. هيفاء المنصور، مخرجة ناجحة في هذا النوع، قد أظهرت براعتها في السرد من خلال فيلم «Wadjda» عام 2012، على الرغم من أن هذا العمل حمل رؤية مبتكرة وجديدة، فإن هيفاء التزمت بنهج تجاري نوعًا ما، ليتماشى مع الأهداف التجارية التي تتطلع إليها الاستوديوهات الكبيرة، وتحقيق الفيلم لعوائد على مستوى العالم ووجوده الحالي على منصة آبل TV.

الأفلام المستقلة ليست مقتصرة على هوليوود. مخرج مثل عباس كياروستامي من إيران قد ترك بصمة لا تنسى على المسرح العالمي؛ فيلمه «Taste of Cherry» عام 1997 كان عملاً غير مسبوق في صناعة الأفلام البسيطة. هذا الفيلم يؤكد كيف يمكن للسينما المستقلة القوية أن تتجاوز الحدود الثقافية، في حين أن أفلام الاستديوهات الكبيرة غالبًا ما تهيمن على صالات السينما والمهرجانات، لكن نجح المخرجون المستقلون ليس فقط في أن يجدوا مكانًا بين النخبة، بل أن يصبحوا النخبة.

غالبًا ما يكشف المخرجون المستقلون سردًا بديلاً، يتناولون فيه قصصًا لا تحصل على التركيز الإعلامي. «علي الكلثمي» هو أحد هؤلاء المخرجين بتركيزه على المجتمع وتحديدًا الرياض، حيث إن فيلمه «وسطي» عام 2016 الذي يروي حدثًا تاريخيًا في المسرح السعودي بتصوير الرياض بصورة سينمائية جديدة وأسلوب قصصي بعيد عن الأسلوب التقليدي للأفلام التجارية، يُجسد القوة السينمائية للأفلام المحلية في تسليط الضوء على القصص المندثرة تحت أنقاض الواقع.

الأفلام التجارية قد تحتكر السوق والميزانيات واهتمامات الاستديوهات والإعلام بدافع العوائد المالية الكبيرة المتوقعة منها، لكن المخرجين المستقلين يدفعون حدود الخيال ويمولون أفلامهم بالأفكار الجميلة.. في مجال حيث الميزانيات الضخمة وصياغة القصص التقليدية المعترف بها كثيرًا ما تهيمن، لكن ستظل الأفلام المستقلة مخرجًا وملاذًا للمخرجين ذوي الرؤية المستقلة للتعبير. أعمال المخرجين الجريئة تذكرنا بأن الابتكار والاستقلالية ما زالا على قيد الحياة في عالم صناعة الأفلام، بتحديهم للتقاليد، وإخراجهم لقصص لا تمر بفلاتر الاستديوهات الكبيرة.

المصدر: سوليوود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى