آراء

الأدب والسينما..

علاقة اللغة والصورة

مشاعل عبدالله
لطالما شكلت الأعمال الأدبية مصدر إلهام للدراما في السينما المصرية. وكثير من الأعمال العالقة في ذاكرة محبي الفن السابع، هي أعمال أدبية في المقام الأول تم معالجتها سينمائيًا. فعلى سبيل المثال لا الحصر، من الأعمال المستندة على الأدب المحلي: «السقا مات»، و«ثرثرة فوق النيل»، و«لا أنام»، و«عمارة يعقوبيان». وهناك أعمال درامية تعتبر تمصير لروايات عالمية مثل: آنا كارينينا، وعطيل لشكسبير!

تحتل الأعمال الفنية المأخوذة عن أعمال أدبية نسبة قد تصل إلى ثلث الأفلام في قائمة أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية. هذه التجارب تتطلب رؤية حقيقية من المخرج وكاتب السيناريو للقبض على روح وجوهر العمل الأدبي، ونقله للشاشة. فالسينما وظيفتها، كما عبَّر عنها محمد خان، هي تحويل الحياة من يومياتنا إلى الشاشة.

فيلم «زوجتي والكلب» لسعيد مرزوق من التجارب التي تستحق الإشادة في تجربة تمصير الأعمال الأدبية، ومن ثم التعلم منها.

الفيلم عبارة عن معالجة درامية لرواية شكسبير «عطيل». وهنا يبدو سعيد مرزوق كأنه أعاد الأشياء إلى جذورها، لأن رواية «عطيل» مستوحاة من «ألف ليلة وليلة». وهنا تتجلى عظمة الأدب والفن، وذلك من خلال قدرتهما على التقاط مكامن التشابه للمشكلات النفسية في عالم يضج بالاختلافات الثقافية والاجتماعية. فالحب والخوف والرغبة والطمع والقلق، مشاعر يشترك فيها البشر، ويختلفون بأسباب هذه المشاعر وتنوع طرق التعبير عنها.

يقدم سعيد في الفيلم الذي رشح للمشاركة في مسابقة أفضل فيلم أجنبي بالأوسكار عام 1971 صورة ناطقة عن صراعاتنا كأفراد مع الحقائق والأوهام، وأن الخط الفاصل للتفرقة بينهم يكمن في تجاربنا، وربَّما مخاوفنا.

اللقطة الافتتاحية للفيلم ظلام دامس يتسرب الضوء خفيفًا في الصورة مع حركة الأبطال وكأنه صورة عن أعماق النفس البشرية. يودع مرسي زوجته الشابة الجميلة سعاد متجهًا لعمله في منطقة بعيدة ونائية، فهو يعمل في الفنار وبجوار البحر. ثنائية البحر والفنار كمحيط مكاني لبطل الفيلم، تلميحة ذكية؛ لأن البحر هو صورة واختزال للحياة بكل تقلباتها وعنفوانها وغموض أعماقها. أمَّا المنارة أو الفنار، فلطالما استخدمت كرمز ذكوري في الأدب، مما يمنحنا تصورًا عن سطوة المفاهيم الذكورية في هذا الفضاء المكاني الضيق والمحدود، الذي اختاره المخرج ليزيد ويعزز من قسوة الحياة وصعوبتها على مرسي ورفاقه العمال، الذين يعانون الوحدة وغياب الأهل والرفيقة أو الحبيبة، ولا يجدون سوى الأحاديث والثرثرة للتغلب على كل هذا الصمت والوحدة.

يجد مرسي في نور الذي لا يملك أي معرفة بعالم النساء مسرحًا ليتباهى فيه بعلاقاته مع زوجات أصدقائه.

تبدأ مخاوف مرسي حينما تتاح الفرصة ويتعرف نور على سعاد؛ لأن مرسي يؤمن بأن أخلاق النساء مرهونة برغباتهن الميتة، وأن أي امرأة تظهر محبتها وعاطفتها لزوجها هي عاهرة في غيابه؛ لأن النساء في ذاكرته زوجات لرجال آخرين.

تبدو عدسة سعيد مرزوق آسرة وهي تصور مشاعر الخوف والشك عند مرسي. حينما يلمح نور يتحدث مع زملائه يخشى مرسي أن تكون زوجته هي مادة الحديث كما فعل هو سابقًا. يفصل بين مرسي ونور حبل غسيل وملابس منشورة، وكأن حبل الغسيل حياة الفرد الخاصة، والحكايات والأسرار هي قطع الملابس المنشورة.

الأعمال الأدبية تعكس صراع الفرد مع ذاته ومع الحياة، ويمكن للسينما السعودية أن تستفيد من الأعمال الأدبية المحلية كمنجم لأفكار يتم معالجتها دراميًا بما يتسق مع النسيج الاجتماعي، والحراك الثقافي والفكري، الذي يشهده المجتمع حاليًا. التنوع الجغرافي للمملكة وانعكاسه على الأفراد يمنح ثراء للتجربة الإنسانية. فيمكننا أن نستمد من رواية «الحزام» لأحمد أبو دهمان، الذاكرة الحميمية للقرية؛ ومن «البحريات» لأميمة الخميس، ثنائية المرأة والمدينة، تحديدًا مدينة الرياض. أمَّا عبده خال، فيقدم لكتاب السيناريو والمخرجين حكاية الحب والحرب بين جدة وجازان في «لوعة الغاوية».

الحراك السينمائي في المملكة والدعم الذي تقدمه هيئة الأفلام لتحفيز وتطوير المحتوى الدرامي، يجعلنا على يقين أننا يومًا ما سنروي حكاياتنا على شاشات السينما حول العالم، كما يليق بنا، لا كما ينظر لنا الآخر.

المصدر: سوليوود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى