فاطمة العدلاني
بني الإنس يعمرون بين ستين وسبعين
وما بعدها بعشر أرذل العمر
وما قبلها بعشر شيب
وأول عشر غير مكلف لا واع
وما بينهما أربعين
منهم غفلات نوم
في عشر ساعات في خمس وستون وثلاثمائة في أربعين
وغفلات قوت وقوت وقوت لكل يوم
ساعات عمل لكسب العيش
وساعات عمل لكسب العمل لكسب العيش
وساعات تنقل لكسب عمل لكسب العمل لكسب العيش
في عشر ساعات في خمس وستون وثلاثمائة في أربعين
وساعات علم دنيوي
لكسب ساعات عمل لكسب العمل لكسب العيش
فتجد الأربعين عشرا
والعشر أعوام في العمر فكة
فكة بين مرض وسقم وغفلات حزن ووعي وأعياد
وكلا على فرض أن بني الإنس كلهم سيعمرون ستينا سبعينا
غير ناقصين أو مبدولين!
ثم إما أن تُبدل ساعات العمل بالعلم والعلم بالعمل أو يُدمجا
لنجد أنفسنا ننأى بنهايته بصدد انتظار عمرٍ انتهى.
انتهى ونحن في انتظاره
مَرّ مرورًا من بين أيدينا، لقد سُرقنا.
سرقة الحزن
سرقة الانشغال
سرقة العمل
سرقه الأولاد
سرق العمر من العمر كأنما لا شيء يُسرق.
لقد سرقه الانتظار
وسرعان ما تأتي النهاية
ويأتي قول محمد الغزالي:
أتدري كيف يُسرق عمر المرء منه؟ يذهل عن يومه في ارتقاب غده، ولا يزال كذلك حتى ينقضي أجله، ويده صِفر من أي خير.
ويقول أحد المعمرين في التسعين من عمره:
كنت دائمًا بصدد انتظار أمر ما، بصدد انتظار تأشيرة خروج من الواقع، انتظار كارت خروج من دوامة العمل والدراسة والبحث عن أمر ما أو البحث عني، طيلة الوقت نحن بصدد البحث عن أنفسنا ضمن حرب زمنية مع الوقت وعلى الأغلب لا ينهزم الوقت ضدنا لأننا وإن انتهينا من أن نلتحم في آن آخر من المسؤوليات التي لا تنتهي، نحن دائما بصدد انتظار يوما نجد فيه أنفسنا.
ويقول أحد الشباب في العشرين من عمره وهو يحاول استيعاب الحقيقة لأول مرة:
وجدت في مُدونتي الخاصة خططا للعام قبل السابق تحوي أحلام في الغالب تتحقق في ستة أشهر، شعرت باليأس لمرور عامين ولم أتغلب بعد على آلة الزمن في أن أجد لنفسي منفذا وتأشيرة خروج من الواقع والحصول علي عمر مقدر بستة أشهر خلال عامين كاملين؟! هل لهذه الدرجة الزمن قاطع؟
أشعر بالرهبة
أرهب أن مر عاما وعامين وثلاثة. أعي أنها ليست أشهر!
أخشى أن أرتقب الأمر بعد عامين أخرين لأجد نفسي قد سُرقت مرة أخرى، لا أعلم ما تكليف التأشيرة لكنني أعلم جيدا أننا إن لم نعتني جيدا بالوقت سُنسرق في عُمر كامل.
تارة بسنوات دراسية وتارة بالعمل وتارة بالأولاد وتارة وتارة وتارة وسيبقى مغفول الوقت مسروقا هكذا في الدوامة أسيرا لا يجد لنفسه موطنا حتي يُقبض، إلا إذا وجد الإنسان بنفسه نفسه مُقدّما على الانتظار واستشعاره بأن يأخذ خطوة للتو اتجاه ما يتمنى وأتوا عليه أن يَسرق الوقت قبل أن يسرقه حتي لا يجد نفسه فجأة قد انتهى وقته وعليه أن يعي معنى أنه ليس بالضرورة أبدا أن يجلس في الامتحان للمدة الأخيرة فليس شرطا أن يكون نصيبه ستونا وسبعونا وتسعونا!
على الإنسان أن يستيقظ كل يوم وهو يعي معنى فرصة جديدة
إذا كان كل يوم أحصل على تأشيره جديدة.
تُرى متى تنتهي تأشيرتي في يوم جديد؟
إن الأمر مرعب وعلينا تداركه.