تصعيد بحري غير مسبوق.. واشنطن تحتجز ثالث ناقلة نفط فنزويلية وتلوّح بالقوة
الترند العربي – متابعات
في تصعيد جديد يعكس تعقيد العلاقة المتوترة بين الولايات المتحدة وفنزويلا، دخل ملف النفط الفنزويلي مرحلة أكثر حساسية، بعد تأكيد اعتراض واحتجاز ناقلة نفط ثالثة قبالة السواحل الفنزويلية، في خطوة وصفتها واشنطن بأنها جزء من حملة واسعة تستهدف ما تسميه «الأسطول الشبح» المستخدم لتمويل نظام الرئيس نيكولاس مادورو وتهريب المخدرات، بينما ردّت كراكاس باتهامات مباشرة للولايات المتحدة بـ«القرصنة البحرية» والتلويح بالتصعيد السياسي والقانوني على الساحة الدولية.
التطور الأخير لا يمكن فصله عن سياق ممتد منذ سنوات، تتداخل فيه العقوبات الاقتصادية، والصراع الجيوسياسي في أميركا اللاتينية، وسوق الطاقة العالمية، إلى جانب حسابات داخلية أمريكية وفنزويلية، تجعل من كل ناقلة نفط نقطة اشتعال محتملة في صراع أكبر من مجرد شحنة خام عابرة للمحيطات.

تفاصيل احتجاز الناقلة الثالثة: ما الذي حدث؟
بحسب ما نقلته وكالة «رويترز» عن مسؤولين أمريكيين، اعترضت البحرية الأمريكية ناقلة نفط جديدة قبالة السواحل الفنزويلية خلال الأسبوع نفسه الذي شهد عمليتي احتجاز سابقتين، دون الكشف رسميًا عن اسم السفينة أو موقع الاعتراض بدقة، في خطوة فُسّرت على أنها تعمّد للغموض العملياتي.
تقارير إعلامية، من بينها ما نشرته وكالة «بلومبرغ»، تحدثت بوضوح عن احتجاز ناقلة فنزويلية ثالثة، في إطار تصعيد متسارع يستهدف شل حركة صادرات النفط الفنزويلي، خاصة تلك التي تُدار عبر شبكات شحن معقدة تعتمد على تغيير الأعلام، وإخفاء بيانات التتبع، ونقل الشحنات من سفينة إلى أخرى في عرض البحر.
موقع «تانكر تراكرز» المتخصص في تتبع حركة ناقلات النفط أشار إلى أن إحدى السفن المحتجزة كانت تحمل نحو 1.8 مليون برميل من النفط الخام، خرجت من ميناء فنزويلي لحساب شركة صينية، في إشارة لافتة إلى أن وجهة النفط الفنزويلي باتت تتركز بشكل شبه كامل على السوق الصينية خلال السنوات الأخيرة.

اتهامات أمريكية مباشرة: الأسطول الشبح وتمويل مادورو
البيت الأبيض لم يتأخر في توضيح موقفه، حيث كتبت المتحدثة باسم الرئاسة الأمريكية، آنا كيلي، عبر منصة «إكس»، أن الناقلة المحتجزة تحمل نفطًا عائدًا لشركة النفط الوطنية الفنزويلية، وتعمل ضمن ما وصفته بـ«الأسطول الشبح الفنزويلي»، متهمة السفينة برفع علم مزور واستخدام أساليب احتيالية للالتفاف على العقوبات الأمريكية.
اللافت في الخطاب الأمريكي هو الربط الصريح بين شحنات النفط وملفات أخرى أكثر حساسية، مثل تمويل نظام مادورو، وتهريب المخدرات، وغسل الأموال، وهي اتهامات تكررت في السنوات الأخيرة، لكنها الآن تُترجم إلى إجراءات ميدانية مباشرة في عرض البحر، وليس فقط عقوبات مكتوبة على الورق.
واشنطن ترى أن استمرار تدفق النفط الفنزويلي، حتى بخصومات كبيرة، يمنح الحكومة في كراكاس شريان حياة اقتصاديًا، يُستخدم – بحسب الرواية الأمريكية – في تثبيت أركان السلطة، وتجاوز الضغوط الداخلية، وإطالة أمد الصراع السياسي مع المعارضة.

ترامب والحظر الكامل: عودة لغة التصعيد القصوى
في خلفية هذا التصعيد، يبرز اسم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي أعلن مؤخرًا فرض «حظر كامل» على ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات، سواء كانت مغادرة من فنزويلا أو متجهة إليها، في خطاب يعكس عودة واضحة للنهج المتشدد الذي طبع فترة رئاسته.
ترامب لم يكتف بالإجراءات الاقتصادية، بل ألمح بشكل صريح إلى عدم استبعاد الخيار العسكري ضد فنزويلا، وهو تصريح أعاد إلى الأذهان سنوات من التهديدات الأمريكية التي لم تتحول إلى مواجهة مباشرة، لكنها تركت أثرًا عميقًا في الاقتصاد الفنزويلي وفي حسابات المستثمرين وشركات الشحن العالمية.
عودة هذا الخطاب تثير تساؤلات حول مستقبل السياسة الأمريكية تجاه فنزويلا، خصوصًا في ظل تغير الإدارات، وتبدل الأولويات العالمية، واحتدام المنافسة مع الصين وروسيا في مناطق النفوذ التقليدية للولايات المتحدة.
رد فنزويلا: قرصنة بحرية وتصعيد دولي
في المقابل، جاء الرد الفنزويلي حادًا ومباشرًا، حيث وصفت الحكومة في كراكاس عمليات الاحتجاز بأنها «سرقة وخطف» و«قرصنة بحرية» تنتهك القانون الدولي وحرية الملاحة.
فنزويلا اتهمت واشنطن باختلاق مزاعم تهريب المخدرات كذريعة سياسية لإسقاط نظام مادورو، والسيطرة على الثروات النفطية للبلاد، مؤكدة أن هذه الإجراءات لن تمر دون محاسبة، ومعلنة نيتها رفع القضية إلى مجلس الأمن الدولي.
الخطاب الفنزويلي يعكس قناعة راسخة لدى القيادة في كراكاس بأن الصراع لم يعد اقتصاديًا فقط، بل أصبح معركة سيادة وشرعية، تستخدم فيها الولايات المتحدة أدوات متعددة، من العقوبات إلى الضغوط الدبلوماسية، وصولًا إلى الاعتراض العسكري غير المباشر.
النفط الفنزويلي منذ 2019: عقوبات خانقة وأسواق بديلة
منذ عام 2019، فرضت الولايات المتحدة حظرًا شاملًا على النفط الفنزويلي، أدى إلى انهيار شبه كامل لصادرات البلاد الرسمية، واضطرار شركة النفط الوطنية إلى بيع الخام بأسعار أقل من السوق العالمية، مع تكاليف إضافية تتعلق بالنقل والتأمين والمخاطر القانونية.
الصين تحولت خلال هذه الفترة إلى الوجهة الرئيسية للنفط الفنزويلي، سواء بشكل مباشر أو عبر وسطاء، في علاقة معقدة تجمع بين المصالح الاقتصادية والحسابات الجيوسياسية، خاصة في ظل التوتر المتصاعد بين بكين وواشنطن.
لكن اعتماد فنزويلا على طرق شحن ملتوية، وتغيير الأعلام، وتعطيل أجهزة التتبع، جعل ناقلاتها هدفًا دائمًا للمراقبة الأمريكية، وفتح الباب أمام سيناريوهات الاحتجاز التي نشهدها اليوم.
تداعيات محتملة على سوق الطاقة العالمية
رغم أن النفط الفنزويلي لا يشكل نسبة ضخمة من الإمدادات العالمية مقارنة بدول كبرى أخرى، إلا أن أي تصعيد في هذا الملف يثير قلق الأسواق، خاصة في ظل توترات أخرى تشهدها مناطق إنتاج حيوية.
احتجاز ناقلات الأسطول الشبح قد يدفع شركات الشحن والتأمين إلى رفع تكاليف النقل، أو الامتناع عن التعامل مع النفط الفنزويلي كليًا، ما يزيد من عزلة كراكاس الاقتصادية، ويؤثر في الوقت نفسه على توازنات العرض والطلب في بعض الأسواق الآسيوية.
كما أن التصعيد الأمريكي قد يُنظر إليه من قبل دول أخرى على أنه سابقة خطيرة، تفتح الباب أمام استخدام القوة البحرية لفرض العقوبات، وهو ما يثير مخاوف تتعلق بحرية الملاحة والقانون الدولي.
الصين في المشهد: صمت محسوب أم تحرك خلف الكواليس؟
وجود شركة صينية في خلفية إحدى الشحنات المحتجزة يضع بكين في موقف حساس، فهي من جهة أكبر مستورد للنفط الفنزويلي، ومن جهة أخرى حريصة على عدم الانجرار إلى مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة في ملف شائك كهذا.
الصين عادة ما تفضل العمل خلف الكواليس، عبر القنوات الدبلوماسية، لتأمين مصالحها، دون تصعيد علني، لكن استمرار احتجاز ناقلات مرتبطة بتجارة النفط الفنزويلي قد يدفعها إلى إعادة تقييم آليات الاستيراد، أو البحث عن صيغ جديدة تقلل من المخاطر.
إلى أين يتجه التصعيد الأمريكي – الفنزويلي؟
المشهد الحالي يوحي بأن الأزمة مقبلة على مرحلة اختبار حقيقية، فواشنطن تبدو مصممة على تشديد الخناق البحري، في حين ترفع كراكاس سقف خطابها السياسي والقانوني.
السيناريوهات المحتملة تتراوح بين استمرار الاحتجازات بوتيرة متقطعة، دون انفجار كبير، أو انتقال الأزمة إلى مستويات أعلى، تشمل إجراءات قانونية دولية، أو حتى احتكاكات بحرية أوسع، خاصة إذا ما تورطت أطراف دولية أخرى بشكل مباشر.
في كل الأحوال، يبقى النفط الفنزويلي في قلب معادلة سياسية واقتصادية معقدة، تتجاوز حدود أمريكا اللاتينية، وتمس توازنات الطاقة والنفوذ على مستوى العالم.
ما سبب احتجاز الولايات المتحدة ناقلات النفط الفنزويلية؟
تقول واشنطن إن الاحتجاز يأتي في إطار تطبيق العقوبات، ومكافحة ما تصفه بتمويل نظام مادورو وتهريب المخدرات عبر «الأسطول الشبح».
كم عدد الناقلات التي تم احتجازها مؤخرًا؟
تم الإعلان عن احتجاز ناقلتين بشكل رسمي خلال أسبوع واحد، مع تقارير إعلامية تؤكد الاستيلاء على ناقلة ثالثة.
كيف ترد فنزويلا على هذه الإجراءات؟
فنزويلا تصفها بالقرصنة البحرية، وتتوعد بالتصعيد ورفع القضية إلى مجلس الأمن الدولي.
هل تؤثر هذه الأزمة على سوق النفط العالمي؟
التأثير المباشر محدود، لكن التصعيد قد يرفع تكاليف الشحن والتأمين، ويزيد من توتر الأسواق، خاصة في آسيا.
ما دور الصين في ملف النفط الفنزويلي؟
الصين هي الوجهة الرئيسية لصادرات النفط الفنزويلي، لكنها تلتزم الصمت العلني، وتدير مصالحها بحذر لتجنب التصعيد مع الولايات المتحدة.
بهذا التصعيد البحري الجديد، تدخل أزمة واشنطن وكراكاس فصلًا أكثر تعقيدًا، حيث لم يعد الصراع محصورًا في البيانات والعقوبات، بل بات يمتد إلى عرض البحر، في مشهد يعكس كيف يمكن لناقلة نفط واحدة أن تتحول إلى عنوان لصراع دولي مفتوح.
اقرأ أيضًا: بحضور الأمير خالد بن سلطان.. موسم استثنائي لرياضة المحركات السعودية يُختتم بتكريم أبطال 2025


