منوعات

إنذار زلزالي تحت بحر مرمرة… إسطنبول على خط الخطر القادم

الترند العربي – متابعات

في أعماق بحر مرمرة، حيث تلتقي الصفائح التكتونية وتتصادم القوى الجيولوجية بصمت، تتشكل ملامح خطر زلزالي يضع إسطنبول، أكبر مدن تركيا وأكثرها كثافة سكانية، في قلب دائرة التهديد. تحذيرات علمية متزايدة، وأبحاث حديثة نُشرت في دوريات مرموقة، أعادت تسليط الضوء على صدع مرمرة الرئيسي، بوصفه أحد أكثر القطاعات الزلزالية حساسية في حزام صدع شمال الأناضول. المؤشرات لا تتحدث عن احتمال بعيد، بل عن تراكم ضغط جيولوجي مستمر، وعن تسلسل هزات متوسطة القوة قد يمهّد لحدث أكبر، تتجاوز آثاره الجغرافيا ليصيب الاقتصاد والبنية الاجتماعية في مدينة يقطنها نحو 16 مليون نسمة.

إنذار زلزالي تحت بحر مرمرة… إسطنبول على خط الخطر القادم
إنذار زلزالي تحت بحر مرمرة… إسطنبول على خط الخطر القادم

ما الذي يحدث تحت بحر مرمرة؟

يقع بحر مرمرة في نقطة تكتونية معقدة تربط البحر الأسود ببحر إيجه، وتخترقه أجزاء من صدع شمال الأناضول، أحد أخطر الصدوع النشطة في العالم. خلال العقدين الماضيين، سجّل العلماء نمطًا لافتًا يتمثل في وقوع زلازل متوسطة القوة تتقدم تدريجيًا من الغرب إلى الشرق على امتداد الصدع. آخر هذه الزلازل، الذي بلغت قوته 6.2 درجات، أعاد إشعال القلق، ليس لقوته وحدها، بل لموقعه واتجاهه، إذ جاء أقرب إلى إسطنبول من سابقاته، ما يعزز فرضية انتقال الإجهاد الزلزالي نحو مقطع مغلق لم ينفجر منذ قرون.

إنذار زلزالي تحت بحر مرمرة… إسطنبول على خط الخطر القادم
إنذار زلزالي تحت بحر مرمرة… إسطنبول على خط الخطر القادم

صدع مرمرة الرئيسي… القنبلة الصامتة

يصف خبراء الزلازل جزءًا من صدع مرمرة الرئيسي بأنه “مغلق” أو “صامت”، أي أنه لم يشهد زلزالًا كبيرًا منذ عام 1766، عندما ضربت هزة بقوة 7.1 درجات المنطقة وألحقت دمارًا واسعًا بإسطنبول العثمانية آنذاك. هذا الصمت الطويل لا يُعد مؤشرًا مطمئنًا، بل على العكس، يدل على تراكم طاقة هائلة لم تُفرغ بعد. الدراسات الحديثة تشير إلى أن هذا المقطع يمتد بطول يتراوح بين 9 و13 ميلًا، وهو طول كافٍ لإنتاج زلزال بقوة 7 درجات أو أكثر، إذا ما تحرر الإجهاد دفعة واحدة.

إنذار زلزالي تحت بحر مرمرة… إسطنبول على خط الخطر القادم
إنذار زلزالي تحت بحر مرمرة… إسطنبول على خط الخطر القادم

تسلسل زلزالي يثير الريبة

بين عامي 2011 و2025، سُجلت سلسلة من الزلازل المتوسطة على امتداد صدع مرمرة. بدأت بهزة بقوة 5.2 درجات في الجزء الغربي، تلتها هزة بقوة 5.1 درجات إلى الشرق، ثم زلزال بقوة 5.8 درجات في الجزء المركزي، وصولًا إلى زلزال أبريل الأخير بقوة 6.2 درجات في القسم الشرقي. هذا التدرج في القوة والموقع يراه بعض العلماء مؤشرًا على “هجرة زلزالية”، وهي ظاهرة معروفة في الجيولوجيا، حيث تنتقل الضغوط من جزء إلى آخر، تمهيدًا لانفجار أكبر. ورغم أن عدد الزلازل المسجلة قد لا يكون كافيًا للجزم بنمط ثابت، فإن الاتجاه العام يظل مقلقًا.

إسطنبول في مرمى الخطر

عندما يقول عالم زلازل إن “إسطنبول في مرمى النيران”، فذلك توصيف علمي لا مجازي. المدينة تمتد على ضفتي البوسفور، وتضم أحياء تاريخية ومناطق حديثة شُيد كثير منها على تربة رخوة، تزيد من تضخيم الموجات الزلزالية. تشير نماذج المحاكاة إلى أن زلزالًا بقوة 7 درجات جنوب المدينة قد يؤدي إلى دمار واسع، خاصة إذا اتجه التمزق الزلزالي شرقًا نحو مركز إسطنبول، وهو السيناريو الأكثر ترجيحًا وفق دراسات حديثة.

دروس 1999 و2023… الذاكرة المؤلمة

لا تزال تركيا تحمل جراح زلزال مرمرة عام 1999، الذي أودى بحياة نحو 17 ألف شخص، بينهم ألف في إسطنبول، وكشف هشاشة البنية العمرانية آنذاك. وفي فبراير 2023، ضرب زلزالان مدمران جنوب تركيا وسوريا، مخلفين أكثر من 55 ألف قتيل، ومؤكدين أن الكوارث الزلزالية لا تزال تهديدًا قائمًا. هذه التجارب عززت وعي المجتمع العلمي بأن الخطر ليس في الزلزال وحده، بل في مدى استعداد المدن والبشر لمواجهته.

العامل البشري… الحلقة الأضعف

يحذر خبراء من أن عقودًا من النمو العمراني غير المنظم، وكثافة البناء، وتفاوت الالتزام بمعايير السلامة، جعلت إسطنبول أكثر عرضة للخطر. أحياء كاملة شُيدت على عجل، ومبانٍ قديمة لم تُعزز هندسيًا، وبنية تحتية تحتاج إلى تحديث شامل. في حال وقوع زلزال كبير، فإن الخسائر لن تكون طبيعية فقط، بل بشرية واقتصادية واجتماعية، وقد تمتد آثارها لسنوات.

هل يمكن التنبؤ بالزلزال؟

رغم التقدم العلمي الهائل، لا يزال التنبؤ الدقيق بموعد الزلازل مستحيلًا. العلماء يؤكدون أن فهم آليات بدء الزلزال وانتقال الإجهاد يساعد على تقييم المخاطر، لكنه لا يمنح توقيتًا محددًا. ما يمكن فعله هو الرصد المستمر، وتحليل الإشارات المبكرة، والاستعداد لأسوأ السيناريوهات عبر خطط طوارئ فعالة.

جهود الرصد والإنذار المبكر

تركيا تمتلك شبكة متقدمة من محطات الرصد الزلزالي، إضافة إلى برامج إنذار مبكر يمكنها، في أفضل الأحوال، منح ثوانٍ أو دقائق قليلة قبل وصول الموجات المدمرة. هذه الثواني قد تكون حاسمة لإيقاف القطارات، وإغلاق خطوط الغاز، وتنبيه السكان. غير أن فعالية هذه الأنظمة تعتمد على وعي المجتمع واستعداده للتصرف السريع.

الاقتصاد على المحك

إسطنبول ليست مجرد مدينة، بل قلب الاقتصاد التركي، ومركزه المالي والسياحي. أي زلزال كبير قد يعطل الموانئ والمطارات، ويؤثر على سلاسل التوريد، ويكبد الاقتصاد خسائر بمليارات الدولارات. الدراسات الاقتصادية تشير إلى أن التعافي قد يستغرق سنوات، خاصة إذا تضررت المناطق الصناعية والتجارية الحيوية.

سيناريوهات محتملة… من المتوسط إلى الكارثي

لا يعني التحذير العلمي أن الزلزال القادم سيكون بالضرورة كارثيًا. قد يكون زلزالًا متوسطًا يزيد الضغط على أجزاء أخرى من الصدع، أو قد يأتي الحدث الكبير دفعة واحدة. في كلتا الحالتين، فإن إسطنبول تقف أمام اختبار تاريخي لقدرتها على الصمود، ولجاهزية مؤسساتها وبنيتها التحتية.

التخطيط الحضري كخط دفاع أول

يرى مختصون أن الاستثمار في تعزيز المباني القديمة، وتطبيق صارم لمعايير البناء الحديثة، وتوسيع المساحات المفتوحة التي يمكن استخدامها كمناطق إخلاء، يمثل خط الدفاع الأول. كما أن توعية السكان بكيفية التصرف أثناء الزلازل، وإجراء تدريبات دورية، يقلل من الخسائر البشرية بشكل كبير.

رسالة العلماء… الاستعداد لا الذعر

الرسالة الأساسية التي يوجهها العلماء ليست إثارة الذعر، بل الدعوة إلى الاستعداد. الزلزال قادم في يوم ما، سواء بعد سنوات أو عقود، لكن أثره يمكن التحكم فيه عبر التخطيط والاستثمار في السلامة. التاريخ يثبت أن المدن التي تستعد جيدًا، تتعافى أسرع، وتفقد أرواحًا أقل.

إسطنبول بين الجغرافيا والتاريخ

على مدى قرون، عاشت إسطنبول على حافة الزلازل، وتعرضت لهزات غيرت ملامحها مرات عدة. اليوم، ومع تضاعف عدد السكان وتعقيد البنية العمرانية، يصبح التحدي أكبر. إلا أن المدينة تمتلك أيضًا خبرة تاريخية، وموارد علمية، وإمكانات بشرية قادرة، إذا ما أُحسن توظيفها، على تقليل حجم الكارثة المقبلة.

خلاصة المشهد الزلزالي

إنذار بحر مرمرة ليس خبرًا عابرًا، بل جرس تنبيه طويل الأمد. الزلازل المتوسطة الأخيرة قد تكون مجرد فصل تمهيدي، أو قد تمر دون أن يتبعها الأسوأ فورًا. لكن المؤكد أن الضغط يتراكم، وأن الصدع الصامت لا يظل صامتًا إلى الأبد. وبين العلم والسياسة والتخطيط الحضري، تتحدد قدرة إسطنبول على مواجهة الخطر القادم.

ما سبب القلق المتزايد بشأن بحر مرمرة؟
القلق نابع من تسجيل سلسلة زلازل متوسطة القوة تتحرك تدريجيًا نحو الشرق، باتجاه مقطع مغلق من صدع مرمرة الرئيسي لم ينفجر منذ قرون.

هل يعني ذلك أن زلزالًا كبيرًا وشيك الحدوث؟
لا يمكن تحديد موعد دقيق للزلازل، لكن الدراسات تشير إلى تراكم ضغط جيولوجي قد يؤدي في أي وقت إلى زلزال قوي.

ما قوة الزلزال المحتمل في أسوأ السيناريوهات؟
تشير النماذج العلمية إلى إمكانية حدوث زلزال بقوة 7 درجات أو أكثر، وهو كفيل بإحداث دمار واسع في إسطنبول.

هل إسطنبول مستعدة لمواجهة زلزال كبير؟
هناك جهود لتحسين الجاهزية، لكن الخبراء يؤكدون أن التحديات لا تزال كبيرة بسبب كثافة السكان والمباني القديمة.

ما دور العامل البشري في حجم الخسائر؟
العامل البشري حاسم، فالتخطيط العمراني، ومعايير البناء، ووعي السكان، كلها عناصر تحدد حجم الخسائر أكثر من قوة الزلزال نفسها.

هل يمكن تقليل الخطر؟
نعم، عبر تعزيز المباني، وتطبيق صارم لمعايير السلامة، وتطوير أنظمة الإنذار المبكر، وتوعية المجتمع.

لماذا يُعد صدع مرمرة خطيرًا بشكل خاص؟
لأنه جزء من صدع شمال الأناضول النشط، ولأن مقطعًا كبيرًا منه ظل صامتًا منذ 1766، ما يعني تراكم طاقة زلزالية كبيرة.

ما الدرس الأهم من التحذيرات الحالية؟
الاستعداد المبكر والتخطيط العلمي هما السبيل الوحيد لتحويل الكارثة المحتملة إلى أزمة يمكن إدارتها بأقل الخسائر الممكنة.

اقرأ أيضًا: عرض يهز أوروبا… هل يغيّر محمد بن سلمان مستقبل برشلونة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى