سياسةالعالم العربيسياسة العالم

رائد سعد.. العقل الصامت في «القسام» الذي طاردته إسرائيل لعقود قبل اغتياله

الترند العربي – متابعات

في تطور أمني لافت ضمن سياق الحرب المستمرة على قطاع غزة، أعلنت إسرائيل اغتيال رائد سعد، أحد أبرز القيادات العسكرية في حركة «حماس»، في ضربة قالت إنها استهدفت “عقلاً محورياً” في منظومة التصنيع العسكري لكتائب القسام، الجناح المسلح للحركة، لتعود إلى الواجهة سيرة شخصية ظل اسمها حاضراً في تقارير الاستخبارات الإسرائيلية منذ عقود، وارتبط بمحطات مفصلية في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

الحديث عن رائد سعد لا يقتصر على خبر اغتيال، بل يفتح باباً واسعاً لفهم مسار طويل من العمل العسكري السري، ومحاولات الاغتيال المتكررة، والدور الذي لعبه الرجل في بناء وتطوير قدرات «القسام»، وصولاً إلى تصنيفه ضمن ما تسميه إسرائيل «جيل 2005»، وهو الجيل الذي تعتبره الأخطر في بنية المقاومة الفلسطينية.

رائد سعد.. العقل الصامت في «القسام» الذي طاردته إسرائيل لعقود قبل اغتياله
رائد سعد.. العقل الصامت في «القسام» الذي طاردته إسرائيل لعقود قبل اغتياله

إعلان الاغتيال الإسرائيلي وسياقه الميداني

أعلن الجيش الإسرائيلي، السبت، تنفيذ عملية اغتيال استهدفت رائد سعد في قصف على مدينة غزة، متهماً إياه بالعمل على إعادة بناء وتطوير وسائل قتالية لحركة «حماس» في ظل الحرب الحالية، ومشيراً إلى أنه كان يشرف على ما وصفه بـ«قوة تصنيع الأسلحة».

وبحسب الرواية الإسرائيلية، فإن العملية جاءت بعد متابعة استخبارية طويلة، وضمن سلسلة ضربات تهدف إلى إضعاف البنية العسكرية للحركة ومنعها من إعادة ترميم قدراتها الصاروخية والتصنيعية، في مرحلة تعتبرها تل أبيب حاسمة لمنع تكرار هجمات واسعة النطاق.

في المقابل، لم تصدر حركة «حماس» بياناً تفصيلياً فورياً يؤكد أو ينفي الرواية الإسرائيلية، غير أن مصادر مقربة من الحركة تحدثت عن اغتيال قيادي بارز، ووصفت رائد سعد بأنه من “الركائز التاريخية” في العمل العسكري.

من هو رائد سعد؟ سيرة رجل ظل في الظل

رائد سعد يُعد من القيادات التي نادراً ما ظهرت إعلامياً، وعمل لسنوات طويلة بعيداً عن الأضواء، وهو ما جعله هدفاً دائماً لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. ووفق مصادر فلسطينية، فإن سعد يُلقب داخل أوساط «القسام» باسم «الشيخ»، ويُعرف أيضاً بكنيته «أبو معاذ».

ينحدر رائد سعد من مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، وهي منطقة لعبت دوراً بارزاً في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية، وخرجت عدداً كبيراً من قيادات «حماس» و«القسام». في هذا المخيم نشأ سعد، وتشكّلت ملامح وعيه السياسي والديني في وقت مبكر، متأثراً بأجواء الانتفاضات والاشتباك اليومي مع الاحتلال.

العلاقة مع قيادات «حماس» التاريخية

ارتبط رائد سعد بعلاقات وثيقة مع عدد من أبرز قادة «حماس» و«القسام»، وفي مقدمتهم الشيخ أحمد ياسين، مؤسس الحركة، حيث عمل في مكتبه لسنوات، وتأثر بأسلوبه القيادي والفكري. كما كانت له علاقة قوية بالقيادي الراحل إبراهيم المقادمة، الذي أصبح لاحقاً صهره بعد زواجه من ابنته.

وتشير مصادر مطلعة إلى أن سعد كان قريباً أيضاً من أحمد الجعبري، القائد العام السابق لكتائب القسام الذي اغتالته إسرائيل عام 2012، إضافة إلى علاقته بمحمد الضيف، القائد العام الحالي للجناح العسكري، ومحمد السنوار، شقيق يحيى السنوار وأحد القيادات البارزة.

رائد سعد.. العقل الصامت في «القسام» الذي طاردته إسرائيل لعقود قبل اغتياله
رائد سعد.. العقل الصامت في «القسام» الذي طاردته إسرائيل لعقود قبل اغتياله

دوره العسكري داخل كتائب القسام

تؤكد مصادر في «حماس» أن رائد سعد شغل مناصب متعددة داخل البنية العسكرية لـ«القسام»، حيث تولى لسنوات مسؤولية «ركن العمليات» داخل قطاع غزة، وكان عضواً في المجلس العسكري العام، قبل أن يتم نقله لاحقاً إلى ركن التصنيع العسكري.

كما تشير المعلومات إلى أنه تولى قيادة لواء غزة لفترة من الزمن، وهو أحد أهم ألوية «القسام»، نظراً لحساسية المنطقة وكثافتها السكانية وقربها من خطوط التماس مع الاحتلال.

عقود من محاولات الاغتيال

لم يكن اغتيال رائد سعد حدثاً مفاجئاً في سياق استهدافه المستمر، إذ نجا الرجل من عدد كبير من محاولات الاغتيال على مدار أكثر من عقدين. وخلال الحرب الحالية وحدها، تقول مصادر فلسطينية إنه نجا من أربع محاولات اغتيال مؤكدة.

إحدى هذه المحاولات وقعت في جباليا البلد شمال قطاع غزة، حيث استهدفت غارة إسرائيلية موقعاً كان يُعتقد أنه يتواجد فيه، لكنه غادره قبل وقت قصير. ومحاولة أخرى استهدفته في مخيم الشاطئ، مسقط رأسه، حين قصفت طائرات حربية مربعاً سكنياً كاملاً، قبل أن يتبين أنه غادر المكان قبل دقائق.

وتعود محاولات الاغتيال إلى بدايات الألفية، حيث أُصيب سعد عام 2003 خلال استهداف منزل في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، كان يتواجد فيه إلى جانب محمد الضيف وعدد من أعضاء المجلس العسكري، في غارة أدت إلى إصابة الضيف أيضاً.

الانتفاضة الثانية وبناء القدرات القتالية

برز اسم رائد سعد بقوة خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت عام 2000، حيث تشير مصادر إلى أنه أشرف على تنفيذ وتخطيط سلسلة عمليات عسكرية أسفرت عن مقتل وإصابة عدد من الإسرائيليين.

كما لعب دوراً في تطوير الصواريخ المحلية وإطلاقها باتجاه المستوطنات الإسرائيلية، وكان جزءاً من الجهود المبكرة لبناء قدرة صاروخية محلية، في وقت كانت فيه الإمكانيات محدودة والرقابة الإسرائيلية مشددة.

«جيل 2005»… التصنيف الأخطر في نظر إسرائيل

وفق وسائل إعلام إسرائيلية، يُعد رائد سعد من قيادات ما يُعرف داخل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بـ«جيل 2005»، وهو مصطلح يُطلق على قادة ميدانيين برزوا خلال الانتفاضة الأولى، وقضوا سنوات طويلة في السجون الإسرائيلية والفلسطينية، ثم لعبوا أدواراً مركزية في الانتفاضة الثانية وما بعدها.

وترى إسرائيل أن هذا الجيل هو الذي أجبرها على الانسحاب من قطاع غزة عام 2005، ومهّد الطريق أمام «حماس» للسيطرة على القطاع وبناء بنية عسكرية منظمة، وهو ما جعل رموزه أهدافاً ذات أولوية قصوى.

العمل على ركن التصنيع بعد الحروب

بعد كل جولة تصعيد أو حرب، كان رائد سعد، وفق مصادر فلسطينية، من أبرز من تولوا مهمة إعادة بناء ركن التصنيع العسكري، سواء عبر ترميم البنية التحتية أو إعادة تنظيم العمل الإداري والهيكلي.

وتشير المصادر إلى أنه بعد معركة «سيف القدس» عام 2021، تم نقله رسمياً من قسم العمليات إلى ركن التصنيع، في خطوة اعتُبرت استراتيجية لإعادة ترتيب الأولويات داخل «القسام»، خصوصاً في ظل الحاجة إلى تطوير القدرات العسكرية.

خطة «جدار أريحا» ودور سعد

تطرقت روايات إسرائيلية إلى دور رائد سعد في التخطيط لما عُرف بخطة «جدار أريحا» أو «القيامة»، التي تقول تل أبيب إنها شكلت الأساس لهجوم السابع من أكتوبر 2023. وفي هذا السياق، تؤكد مصادر فلسطينية أن سعد كان من المخططين الأوائل لفكرة اقتحام مستوطنات غلاف غزة منذ سنوات طويلة، غير أن الظروف لم تكن مواتية لتنفيذها في حينه.

وبحسب هذه المصادر، فإن الخطة جُمّدت أكثر من مرة بسبب اندلاع حروب متتالية، قبل أن يُعاد إحياؤها لاحقاً ضمن سياق أوسع من التحضيرات العسكرية.

مكافأة 800 ألف دولار… مؤشر على خطورته

تجلّى حجم الأهمية التي توليها إسرائيل لرائد سعد في المكافأة المالية التي رصدتها مقابل معلومات تؤدي إلى القبض عليه، والتي بلغت 800 ألف دولار، وهي من أعلى المكافآت التي أعلنت عنها تل أبيب بحق قيادات «حماس».

وتساوي هذه المكافأة ما رُصد لقادة بارزين مثل محمد السنوار، وتفوق ما عُرض مقابل معلومات عن قيادات أخرى، وهو ما يعكس التقييم الإسرائيلي لدوره الاستراتيجي.

ما بعد الاغتيال… تأثيرات محتملة

يثير اغتيال رائد سعد تساؤلات حول تأثير غيابه على بنية «القسام»، خصوصاً في ما يتعلق بركن التصنيع العسكري، الذي يُعد أحد الأعمدة الأساسية لاستمرار قدرة الحركة على القتال.

غير أن مراقبين يرون أن طبيعة العمل داخل «القسام» تعتمد على اللامركزية وتوزيع الأدوار، ما قد يقلل من تأثير غياب شخصية واحدة، مهما كان وزنها، على المدى المتوسط والطويل.

قراءة في الرسائل السياسية والعسكرية

يحمل اغتيال رائد سعد، إذا تأكد بشكل قاطع، رسائل متعددة، أبرزها أن إسرائيل مستمرة في سياسة استهداف القيادات التاريخية، وأنها تعتبر منع إعادة بناء القدرات العسكرية أولوية قصوى في هذه المرحلة.

في المقابل، ترى فصائل فلسطينية أن مثل هذه الاغتيالات لن تغيّر من مسار المواجهة، بل قد تعزز من حضور الرواية الرمزية لقيادات قُتلت وهي في قلب العمل المقاوم.

من هو رائد سعد؟
رائد سعد قيادي بارز في حركة «حماس» وكتائب القسام، شغل مناصب عسكرية متعددة، أبرزها مسؤولية ركن العمليات ثم ركن التصنيع العسكري، ويُعد من القيادات التاريخية للحركة.

لماذا استهدفته إسرائيل؟
تعتبره إسرائيل مسؤولاً عن تطوير وإعادة بناء القدرات العسكرية، خصوصاً في مجال التصنيع الصاروخي، وترى فيه تهديداً استراتيجياً طويل الأمد.

ما هو «جيل 2005» الذي ينتمي إليه سعد؟
هو توصيف إسرائيلي لقادة ميدانيين برزوا خلال الانتفاضات، ويُنظر إليهم كجيل أسهم في انسحاب إسرائيل من غزة وبناء قوة «حماس» العسكرية.

كم مرة نجا من محاولات اغتيال؟
تشير مصادر فلسطينية إلى أنه نجا من عدة محاولات اغتيال على مدار عقود، بينها أربع محاولات خلال الحرب الحالية.

ما دلالة مكافأة 800 ألف دولار؟
تعكس حجم الأهمية التي توليها إسرائيل لرائد سعد، وتُعد من أعلى المكافآت المرصودة بحق قيادات فلسطينية.

هل سيؤثر اغتياله على قدرات «القسام»؟
يرى محللون أن التأثير قد يكون محدوداً على المدى الطويل، نظراً لطبيعة العمل اللامركزي داخل الجناح العسكري.

بهذا، يُطوى فصل طويل من سيرة قيادي ظل لعقود في قلب الصراع، فيما تبقى تداعيات اغتياله مفتوحة على احتمالات متعددة، في مشهد إقليمي لا يزال مشحوناً بالتوتر والتحولات.

اقرأ أيضًا: محمد صلاح في جدة… مؤشرات انتقال كبير تهزّ دوري روشن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى