القويعية فوق كنز الزمن… تاريخ صخري عمره مئات الملايين من السنين يكشف أسرار الدرع العربي
الترند العربي – متابعات
تعود محافظة القويعية لتتصدر المشهد العلمي والبحثي في المملكة، ليس باعتبارها موقعًا جغرافيًا عابرًا، بل بوصفها أحد أكثر المراكز الجيولوجية ندرة وثراءً في الجزيرة العربية، حيث تختزن أرضها سجلًا صخريًا يعود إلى مئات الملايين من السنين، ويجعل منها مختبرًا طبيعيًا مفتوحًا للباحثين وطلاب علوم الأرض.
هذا ما أكده الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله بن لعبون، مؤسس ورئيس مجلس إدارة تعاونية الجيولوجيين السعوديين، في حديث خاص، موضحًا أن القويعية وما يحيط بها تمثل إحدى أهم النوافذ الجيولوجية لفهم تطور القشرة الأرضية في المملكة والمنطقة ككل.

القويعية… صفحة مفتوحة من تاريخ الأرض
يرى ابن لعبون أن القويعية ليست مجرد محافظة في قلب نجد، بل تمثل فصلًا كاملاً من تاريخ الأرض المبكر، إذ تضم مكاشف نارية ومتحولة تُعد من أقدم صخور الدرع العربي، ويعود عمرها إلى ما قبل 542 مليون سنة، أي إلى عصور سحيقة سبقت ظهور الكائنات المعقدة على سطح الأرض.
هذا الامتداد الزمني الهائل يمنح المنطقة قيمة علمية استثنائية، حيث تُمكّن الجيولوجيين من تتبع التطورات الكبرى التي مرت بها القشرة الأرضية، من تصادم الصفائح القارية، إلى النشاطات البركانية والتحولات العميقة التي شكّلت ملامح الدرع العربي.

تنوع صخري نادر قلّما يجتمع في موقع واحد
أبرز ما يميز القويعية، وفقًا لابن لعبون، هو ذلك التنوع الصخري اللافت الذي يجتمع في نطاق جغرافي واحد، إذ تحتوي المنطقة على صخور نارية مثل التونولايت والجرانودايوريت والجابرو، إلى جانب صخور متحولة غنية بالبيروكسين.
ولا يقتصر المشهد الجيولوجي على الصخور النارية والمتحولة، بل يمتد ليشمل تكوينات رسوبية دقيقة متمثلة في الأحجار الرملية، والحجر الجيري، والطفال الأخضر، والتي تظهر بوضوح في مواقع مثل الشجراء وعنيزة وخف، إضافة إلى مكاشف متكون ساق في منطقة الخنيقية، ما يمنح الباحثين فرصة فريدة لدراسة تتابع الطبقات الصخرية عبر عصور جيولوجية متعددة.

نقطة التقاء الدرع العربي والرف الرسوبي
أحد الجوانب التي تجعل القويعية موقعًا فريدًا على مستوى المملكة، هو كونها منطقة التقاء نادرة بين صخور الدرع العربي القديمة وصخور الرف العربي الرسوبية الأحدث نسبيًا. هذا التقاطع الجيولوجي لا يحدث كثيرًا بهذا الوضوح، ويُعد كنزًا علميًا لدراسة الفروق البنيوية والكيميائية بين البيئات الصخرية المختلفة.
ويؤكد ابن لعبون أن هذا التداخل يجعل القويعية وجهة مثالية للتدريب الميداني، حيث يستطيع الباحث أو الطالب أن ينتقل بين أنماط صخرية مختلفة في مساحة جغرافية محدودة، وهو أمر نادر في كثير من مناطق العالم.

تراكيب جيولوجية تحكي قصة تشكّل القشرة
ولا تكتمل أهمية القويعية دون التوقف عند التراكيب الجيولوجية البارزة التي تحتضنها، مثل القواطع والصدوع والطيات، التي تمثل سجلًا حيًا لحركات القشرة الأرضية عبر العصور.
ويبرز في هذا السياق ما يُعرف بطية مزعل أو جبل الشقراء، والتي تُعد من المعالم العلمية المهمة في دراسات البناء الجيولوجي، حيث تكشف عن قوى الضغط والشد التي تعرضت لها الصخور، وعن الاتجاهات التي تحركت فيها الصفائح الأرضية خلال مراحل التكوين.

مختبر جيولوجي طبيعي مفتوح للبحث العلمي
يشير ابن لعبون إلى أن مكاشف الصخور في القويعية لا تخدم الدراسات النظرية فقط، بل تُعد بيئة مثالية للأبحاث التطبيقية، لا سيما في مجالات دراسة المعادن، وخصائص الصخور الرسوبية، وقدرتها على تخزين المياه الجوفية، والنفط، والغاز.
هذا ما يجعل المنطقة أشبه بمختبر طبيعي مفتوح، يمكن من خلاله اختبار النماذج الجيولوجية، وربط النتائج الميدانية بالتطبيقات الاقتصادية والبيئية، وهو ما يتماشى مع توجهات المملكة في تعزيز البحث العلمي واستثمار الموارد الطبيعية المستدامة.

الأمار والخنيقية… معادن ثمينة وشواهد تاريخية
وعلى صعيد الثروات المعدنية، أوضح ابن لعبون أن منطقتي الأمار والخنيقية تُعدان من أغنى مناطق القويعية بالمعادن الاقتصادية، حيث تحتويان على الذهب، والفضة، والنحاس، والمنجنيز، والزنك.
كما تضم المنطقة عشرات المناجم القديمة التي استُخرجت منها هذه المعادن منذ عصور موغلة في القدم، ولا تزال آثارها شاهدًا على عمق التاريخ المعدني للمحافظة، وعلى معرفة الإنسان القديم بقيمة هذه الموارد واستغلالها بوسائل بدائية لكنها فعالة في زمانها.
تصحيح مفاهيم… لا فوسفات في القويعية
وفي نقطة مهمة، نفى ابن لعبون وجود خامات الفوسفات ضمن صخور القويعية، موضحًا أن البيئة الجيولوجية اللازمة لتكوّن الفوسفات لا تتوافر في هذه المنطقة، وأن وجوده يقتصر على شمال غرب المملكة، حيث تتوافر الشروط الرسوبية والبيئية الملائمة.
ويعكس هذا التوضيح أهمية الدقة العلمية في تداول المعلومات المتعلقة بالثروات المعدنية، خاصة في ظل الاهتمام المتزايد بالاستثمار في قطاع التعدين.
عمليات جيولوجية كبرى صنعت المشهد الحالي
وأكد ابن لعبون أن القويعية مرّت عبر تاريخها الجيولوجي بسلسلة من العمليات الكبرى، شملت تصادمات القشرة الأرضية، وحدوث تصدعات عميقة، وتعرض الصخور لضغوط ودرجات حرارة عالية، ما أدى إلى تكوين صخور متحولة ومعادن متعددة.
هذه العمليات لا تفسر فقط تنوع الصخور والمعادن، بل تشرح أيضًا سبب تعقيد التراكيب الجيولوجية في المنطقة، وهو ما يجعل دراستها أساسية لفهم تطور الدرع العربي بأكمله.
إقليم الرين… قلب جيولوجي نابض شرق الدرع العربي
وتقع المنطقة الممتدة من الأمار إلى الخنيقية ضمن إقليم الرين، أحد أهم الأقاليم الجيولوجية في شرق الدرع العربي، والمعروف بتنوع تراكيبه وغنى دراساته الميدانية. ويُعد هذا الإقليم محورًا رئيسيًا في الأبحاث الجيولوجية التي تهدف إلى إعادة بناء التاريخ التكتوني للمملكة.
الخنيقية… منجم تاريخي شاهد على عمق الحضارة
وفي ختام حديثه، شدد الدكتور عبدالعزيز بن لعبون على أن الخنيقية تمثل منجمًا تاريخيًا واسع النطاق، لا تزال آثار المناجم القديمة فيه قائمة حتى اليوم، شاهدة على ارتباط الإنسان السعودي المبكر بالأرض وثرواتها، وعلى أن القويعية لم تكن يومًا مجرد صحراء، بل كانت مركزًا حيويًا للنشاط المعدني عبر العصور.
بهذا الثقل الجيولوجي والتاريخي، تبرز القويعية كنقطة التقاء بين العلم والتاريخ والاقتصاد، وموقع يستحق مزيدًا من الاهتمام البحثي والاستثماري، في ظل رؤية المملكة 2030 التي تضع تنمية الموارد الطبيعية والمعرفة العلمية في قلب خططها المستقبلية.
لماذا تُعد القويعية مهمة جيولوجيًا؟
لأنها تضم صخورًا يعود عمرها لأكثر من 542 مليون سنة، وتمثل نموذجًا نادرًا لتقاطع الدرع العربي مع الرف الرسوبي.
ما أبرز أنواع الصخور في القويعية؟
صخور نارية ومتحولة مثل التونولايت والجرانودايوريت والجابرو، إضافة إلى صخور رسوبية متنوعة.
هل توجد معادن اقتصادية في المنطقة؟
نعم، تشمل الذهب، والفضة، والنحاس، والمنجنيز، والزنك، خصوصًا في الأمار والخنيقية.
هل توجد فوسفات في القويعية؟
لا، وبيئة تكوّن الفوسفات تقتصر على شمال غرب المملكة.
لماذا تُوصف القويعية بالمختبر الطبيعي المفتوح؟
لتنوع مكاشفها الصخرية والتراكيب الجيولوجية التي تسمح بدراسات ميدانية متقدمة في موقع واحد.
اقرأ أيضًا: ضربة لصدارة الأخضر… المغرب يحسم القمة ويُسقط السعودية في ليلة لوسيل الكبرى
