
انظر إلى ورقتك ولا تلتفت
محمود عبدالراضي
في زمنٍ تتسابق فيه الأنظار إلى أوراق الآخرين، تضيع أوراقنا نحن بين صفحات المقارنة، نمد أعيننا إلى نجاح هذا، ونتنهّد لإخفاق ذاك، حتى نصحو فجأة لنجد أن الورقة الوحيدة التي تستحق النظر قد غابت عنّا، وهي ورقة الذات.
كل إنسان يحمل قلمه الخاص، يكتب به سطوره بما يملك من حبر التجربة، لا بحبر الآخرين، فمن العبث أن نقيس أعمارنا بمقاييس غيرنا، أو نرسم طريقنا بخطى سوانا، فلكلٍّ ظروفه التي لا تُرى، ولكلٍّ حياة تُكتب على نحوٍ لا يشبه أحداً.
انظر إلى ورقتك، دقّق في سطورها، فيها أخطاؤك التي تعلمك، ومحاولاتك التي تشبهك، وانتصاراتك الصغيرة التي لا يراها سواك، لا تشغل بالك بمن تجاوزك، ولا تشمت في من تعثر أمامك، فالحياة ليست سباقاً للفوز، بل ساحة اتساعٍ لكل من أراد السير بخطواته.
النجاح الحقيقي ليس أن تكون الأول، بل أن تكون صادقاً مع نفسك وأميناً على وقتك، أن تطور ذاتك بصمت، وتستثمر ضعفك لتقوّيه، وتتعلم من الفشل لا لتتفاخر، بل لتفهم أنك ما زلت قادراً على النهوض.
الحياة قصيرة بما يكفي لتُختصر في ذاتك، وطويلة بما يكفي لتصنع فيها نسختك الأجمل، فلا تهدرها في صراعاتٍ صغيرة، ولا تستهلكها في مراقبة الآخرين، فكما أن السماء تتسع للنجوم جميعاً، تتسع الحياة لكل الحالمين دون صدام أو مقارنة.
حين يلتفت كلٌّ منا إلى ورقته، نكتب جميعاً قصة هادئة، بلا ضجيج ولا حسد، حينها فقط، نفهم أن التركيز على الذات ليس أنانية، بل حكمة تحفظ القلب من التشتت، والعمر من الضياع.
المصدر: اليوم السابع



