منوعات

موسم الصقور في جازان.. إرثٌ متجددٌ يحفظ الهوية ويعزز الاقتصاد

موسم الصقور في جازان.. إرثٌ متجددٌ يحفظ الهوية ويعزز الاقتصاد

الترند العربي – متابعات

مع بدايات الشتاء من كل عام، تعيش مناطق جازان الجبلية والساحلية على وقع انطلاقة موسم صيد الصقور، ذلك الحدث الذي يجمع بين الأصالة والتراث، ويُعدّ من أبرز الموروثات المتجذّرة في ذاكرة المجتمع الجازاني، ومكوّنًا أصيلًا من الهوية الثقافية والبيئية للمملكة العربية السعودية.
إنه موسم يحمل عبق التاريخ وروح المغامرة، ويمثّل لقاءً بين الإنسان والطبيعة، بين المهارة الفطرية والعشق المتوارث جيلاً بعد جيل.


هواية عريقة وجزء من الذاكرة الشعبية

يُمارس صيد الصقور في جازان بوصفه هواية موسمية وفنًا تراثيًا متوارثًا عبر الأجيال، تناقله الآباء إلى الأبناء كما تُورث القصائد والحكايات القديمة.
وتحمل الصقارة في المنطقة بعدًا ثقافيًا وروحيًا يتجاوز فكرة الصيد نفسها، إذ تعبّر عن الارتباط الوثيق بين الإنسان وبيئته، وعن قيم الشجاعة والدقة والوفاء التي تجسدها علاقة الصقّار بصقره.
يقول كبار الصقّارين في جازان إن “كل صقر له قصة، وكل رحلة صيد تحمل ذكرى”، مما جعل هذا الموروث يحافظ على مكانته في الوجدان الجمعي رغم تغير أنماط الحياة الحديثة.

موسم الصقور في جازان.. إرثٌ متجددٌ يحفظ الهوية ويعزز الاقتصاد
موسم الصقور في جازان.. إرثٌ متجددٌ يحفظ الهوية ويعزز الاقتصاد

موسم ينتظره الجميع

يبدأ الصقّارون استعداداتهم لانطلاق الموسم مع نهاية فصل الخريف، تزامنًا مع عبور الصقور المهاجرة القادمة من آسيا الوسطى إلى المناطق الدافئة في شبه الجزيرة العربية.
ويستمر الموسم عادة من شهر سبتمبر حتى يناير، حيث تتحوّل جبال جازان وسواحلها إلى محطات رئيسية في مسارات الطيور المهاجرة.
في هذه الفترة، تنتشر مشاهد الصيد التي تجمع بين المتعة والمنافسة، ويظهر فيها الصقّارون بخبراتهم العميقة في تتبّع مسارات الصقور ومعرفة تضاريس الأرض واتجاهات الرياح.

وتتنوّع البيئات الجازانية ما بين السهول الساحلية والجبال الوعرة، ما يمنح الصقّارين فرصًا متنوعة لممارسة مهنتهم في بيئات مختلفة، ويحوّل المنطقة إلى ملتقى لعشّاق الصقور من داخل المملكة وخارجها.

موسم الصقور في جازان.. إرثٌ متجددٌ يحفظ الهوية ويعزز الاقتصاد
موسم الصقور في جازان.. إرثٌ متجددٌ يحفظ الهوية ويعزز الاقتصاد

تنظيم واهتمام رسمي

في السنوات الأخيرة، أولت الجهات المختصة اهتمامًا كبيرًا بتنظيم موسم الصقور في جازان، بما يضمن استدامة التراث وحماية البيئة في الوقت ذاته.
وقد اعتمد نادي الصقور السعودي والجهات البيئية المعنية ضوابط واضحة لتنظيم نشاط الصيد، شملت تسجيل الصقّارين رسميًا، ومنع استخدام الأساليب الجائرة، وحماية الكائنات الفطرية المهددة بالانقراض.

كما تعمل القوات الخاصة للأمن البيئي على متابعة التزام الصقّارين بالأنظمة وتطبيق الإجراءات النظامية بحق المخالفين، إضافة إلى تنفيذ حملات توعوية تسعى إلى نشر ثقافة الوعي البيئي، وضمان استمرارية هذا الإرث بما يتوافق مع أهداف رؤية السعودية 2030 التي توازن بين التنمية والحفاظ على الهوية البيئية.

موسم الصقور في جازان.. إرثٌ متجددٌ يحفظ الهوية ويعزز الاقتصاد
موسم الصقور في جازان.. إرثٌ متجددٌ يحفظ الهوية ويعزز الاقتصاد

أساليب الصيد بين التراث والتطور

تتنوع أساليب الصيد في جازان بين الطرق التقليدية التي تعود إلى مئات السنين، والأساليب الحديثة التي تعتمد على التقنيات البسيطة والمراقبة الدقيقة.
من أبرز الطرق القديمة “الشبك على الحمامة”، والتي تعتمد على ربط شبكة خفيفة بطائر حمام يستخدم كطُعم لجذب الصقر والإمساك به عند الانقضاض.
أما طريقة “المخدجة” فتُستخدم ليلاً، حيث يعتمد الصقّارون على إضاءة خافتة لإرباك الصقر والقبض عليه.

وتُعتبر طريقتا “النقل” و“المناشبية” من أصعب الأساليب، إذ تتطلب خبرة عالية في تتبّع مسار الطائر بعد الانقضاض وتحديد موقع هبوطه بدقة، مستعينين بخبرة الصقّارين القدامى الذين ورثوا هذه المهارة عن أسلافهم.
ورغم دخول التكنولوجيا الحديثة في مراقبة الطيور، فإن كثيرًا من الصقّارين في جازان ما زالوا يفضّلون الأساليب التراثية الأصيلة التي تمنحهم متعة التحدي وروح المغامرة.

موسم الصقور في جازان.. إرثٌ متجددٌ يحفظ الهوية ويعزز الاقتصاد
موسم الصقور في جازان.. إرثٌ متجددٌ يحفظ الهوية ويعزز الاقتصاد

الصقر.. رمز القوة والوفاء

في الثقافة الجازانية، لا يُنظر إلى الصقر كطائر صيد فحسب، بل كـ رمز للكرامة والعزّة والشرف.
الصقّار يتعامل مع صقره كشريك في الرحلة، يُدرّبه بعناية، ويهتم بتغذيته وصحته، ويتباهى بقدراته أمام منافسيه في الميدان.
وقد تحوّلت هذه العلاقة إلى رمز للوفاء والتعاون بين الإنسان والطبيعة، حيث تُبرز الصقارة قيمًا اجتماعية مثل الصبر والانضباط والإخلاص.

وتصل بعض الصقور النادرة في مزادات نادي الصقور السعودي إلى أسعار مرتفعة جدًا، بلغت في بعض الحالات 150 ألف ريال وأكثر، ما يعكس القيمة الاقتصادية والثقافية التي تحتلها الصقور في المجتمع السعودي عمومًا، والجازاني خصوصًا.


البعد الاقتصادي لموسم الصقور

لم يعد موسم الصقور حدثًا تراثيًا فحسب، بل تحوّل إلى نشاط اقتصادي منظم، يدرّ عوائد كبيرة على المشاركين والمهتمين.
فالمزادات التي ينظمها نادي الصقور في الرياض وجازان وحفر الباطن أصبحت وجهة لعشّاق الصقور من مختلف دول الخليج، حيث تُعرض الصقور النادرة وتُباع بأسعار تنافسية عالية.
كما أسهمت هذه المزادات في خلق فرص عمل جديدة للشباب في مجالات التدريب، والرعاية البيطرية، والنقل، والتصوير، وحتى السياحة البيئية.

وتتوقع تقارير محلية أن يسهم قطاع الصقور في تحقيق عوائد مالية تُقدّر بعشرات الملايين سنويًا، مع التوسع في تنظيم المعارض والفعاليات التي تجمع بين التراث والتجارة، مما يعزز دور المملكة كوجهة عالمية لعشّاق الصيد بالصقور.


استدامة التراث وحماية البيئة

أحد الجوانب المهمة في تنظيم موسم الصقور في جازان هو تحقيق التوازن بين ممارسة الهواية والمحافظة على الحياة الفطرية.
فالمملكة اليوم تعمل ضمن استراتيجيتها البيئية الوطنية على منع الصيد الجائر وحماية الأنواع المهددة بالانقراض.
وقد تم وضع لوائح تنظيمية دقيقة تشمل تحديد فترات الصيد، وأنواع الصقور المسموح باصطيادها، والتأكد من تسجيلها وتوثيقها عبر المنصات الرسمية.

كما تسعى الهيئة السعودية للحياة الفطرية بالتعاون مع نادي الصقور السعودي إلى إطلاق برامج توعوية حول أهمية الحفاظ على التوازن البيئي، وتشجيع الصقّارين على استخدام أساليب آمنة تحمي البيئة ولا تضر بمسارات الطيور المهاجرة.


جازان.. أرض الصقور والهوية

تتميز جازان بتنوعها الجغرافي الذي جعلها واحدة من أهم مناطق الصيد في المملكة.
فالمنطقة تمتد من سواحل البحر الأحمر غربًا حتى قمم جبال فيفا والريث شرقًا، مما يمنحها بيئات مثالية للصقور بأنواعها.
ويؤكد الصقّارون أن الصيد في جازان ليس مجرد رياضة، بل فعل انتماء وهوية، حيث يجسد ارتباط الإنسان بمكانه وتاريخه وثقافته المحلية.

وفي الوقت ذاته، أصبحت فعاليات الصقور في المنطقة عنصر جذب سياحي، حيث يزور آلاف المهتمين المهرجانات والمعارض التي تُقام سنويًا، ما يعزز من مكانة جازان كوجهة تراثية وثقافية مهمة في خارطة السياحة السعودية.


الصقارة في رؤية السعودية 2030

تولي رؤية المملكة 2030 اهتمامًا خاصًا بالموروثات الوطنية، وتعتبر الصقارة أحد الرموز الثقافية التي تستحق الحماية والتطوير.
وقد ساهم نادي الصقور السعودي في تحويل هذه الهواية من نشاط فردي إلى قطاع منظم ذي بعد اقتصادي وبيئي وثقافي.
ويعمل النادي على إقامة معارض سنوية، وإطلاق مبادرات لتأهيل الصقّارين الشباب، وتطوير أساليب الصيد المستدامة، بما يعزز دور المملكة في الحفاظ على إرثها الطبيعي والثقافي.


متى يبدأ موسم الصقور في جازان؟
يبدأ الموسم عادة في نهاية شهر سبتمبر ويستمر حتى يناير من العام التالي، تزامنًا مع عبور الصقور المهاجرة القادمة من آسيا الوسطى.

ما أبرز طرق الصيد المتبعة في جازان؟
من أبرز الطرق “الشبك على الحمامة”، و”المخدجة”، و”النقل”، و”المناشبية”، وهي طرق تتطلب خبرة عالية ومعرفة دقيقة بسلوك الصقور ومساراتها.

هل هناك تنظيم رسمي لموسم الصقور؟
نعم، يعتمد نادي الصقور السعودي ضوابط واضحة تشمل تسجيل الصقّارين رسميًا، ومنع الصيد الجائر، وحماية الأنواع المهددة بالانقراض، بالتعاون مع الجهات البيئية.

كم تبلغ أسعار الصقور في مزادات المملكة؟
تختلف الأسعار حسب نوع الصقر وسلالته، وقد تصل إلى أكثر من 150 ألف ريال في المزادات الرسمية.

ما أهمية موسم الصقور اقتصاديًا؟
يشكّل الموسم موردًا اقتصاديًا متناميًا، إذ تسهم المزادات والفعاليات المصاحبة في دعم السياحة المحلية وتوفير فرص عمل جديدة، وتعزيز مكانة المملكة في هذا المجال عالميًا.


ختام

يظل موسم الصقور في جازان أكثر من مجرد موسم صيد، فهو رمز للهوية السعودية وذاكرة المكان، ومشهد حيّ يجمع بين الشغف والتراث، بين الأصالة والاحتراف.
وفي كل موسم، يثبت الصقّارون أن هذه الهواية ليست بقايا ماضٍ بعيد، بل جزء من حاضر نابض بالاعتزاز والانتماء، يعانق سماء جازان كما تعانق الصقور قممها العالية، في مشهد يجسد روح المملكة التي لا تعرف الفناء، بل تتجدد مع كل فجرٍ جديد من فصول التراث السعودي الأصيل.

اقرأ أيضًا: جازان في العيد.. 209 حدائق و14 واجهة بحرية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى