سياسة

مقال لم يكتبه الـ chat gpt

مقال لم يكتبه الـ chat gpt

معتمد عبدالغني

مع احترامي لدعاة التطور والتجديد، لكن ماذا يفعل الذكاء الاصطناعي في عقل توقفت فصوصه عن العمل، وعانت من البطالة، وبدأت في رفع لافتات احتجاجية، وهتفت “شغلنا يا بني آدم، الطبيعي يكسب”، لكن صاحب الفصوص مشغول عنها في استيراد أفكار معلبة صُبت صبًا في قوالب آلية توفر عليه عناء القراءة والبحث والتفكير.

يضرب أزرار الكيبورد وهو فاتح فاه المغطى ببقايا كزبرة الطعمية وقشرة الفول الناجين من معركة مضخ ساندويتشات الفطور، هذا السابح في نهر البالوظة يطلب من “الشات جي بي تي” أن يكتب ويفكر بالنيابة عنه، ليصنع به مجدًا زائفًا بناه بعبارات جوفاء فارغة من الروح البشرية، تلك الروح التي تخطئ وتصيب، وتحمل بصمة صاحبها الغائب عن الوعي عن قصد، تلفظ أنفاسها الأخيرة في كل مرة يسلم فيها ذقنه للتطبيقات سريعة التحضير.

إذا لم تصبك بعد عدوى السربعة والزهق المبكر، ولم تكن مدمن الـ”سكرول” ووصلت لهذه الفقرة من المقال، فاحمد ربك، إنك ما زلت كائنًا حيًا مفكرًا عاقلًا، نحن يا صديقي في أيام ينتزع فيها ما يميزنا، ويرفعنا درجتين تلاتة في تسلسل علم التصنيف عن الحيوانات، لكن ثق في العبد لله، إذا استمر هذا الذكاء الاصطناعي في حلب وعينا، فسوف نهبط من الدوري الممتاز للبشرية بعد خسارة مباراتنا مع الخدمات التكنولوجية التي نسيء استخدامها، لا عيب في أن نُيسر بها حياتنا، لكن الوكسة في أن نجعلها هي التي تمارس حياتنا بدلًا منا.

القشرة الدماغية عند كل واحد فينا الآن تعاني من البطالة، 16 مليار خلية عصبية داخل مخك تبحث حاليًا عن وظائف ذات خبرة سابقة في التفكير، والعاطفة، والذاكرة، واللغة، والوعي، بينما أنت تلهو في نعيم الجهل سعيدًا بالمعلومة التيك أواي التي تقف أمامها مدهوشًا بسرعة تنظيمها وخلقها أمام عينيك كطفل مدلل يلعق مصاصة مجانية في السيرك، ويصدق جميع حيل الساحر المخادع، وفي نهاية العرض تصفق وتدبدب في الأرض فرحًا بما رأيته من معجزة زائفة و”شربتها” يا كروديا.

هل تعلم معنى كلمة “كروديا”؟، لا تذهب لـ “الشات جي بي تي” يا متهور سأوفر عليك تنشيط حركة صوابعك مع لوحة المفاتيح، لقد سبقتك لأختبر حدود معرفته بكلمة يرددها المصريون في الشارع، وهذا كان رده وهبده، فاصل ونعود.

أنا: قل لي ما معنى كلمة كروديا؟

الشات جي بي تي: “كلمة كروديا غير موجودة في المعاجم العربية المعروفة، وقد تكون تحريفًا غير دقيق لكلمة أجنبية مثل كرواتيا (Croatia)، أو اسمًا خياليًا يُستخدم في ألعاب وقصص”.

عدنا بعد الفاصل، وأعتقد أنك تدرك الآن من هو المغفل الكروديا، هذا التطبيق قد يعرف بيانات ومعلومات عن كل شيء يرتبها وينظمها مثل مديرة منزل أجنبية تنظف من السطح فقط وتترك أخطاءها متراكمة تحت السجادة، ولن تشعر بالهدر التمام إلا بعدما تأخذ كومة الأخطاء شكل هرمي يعترض مجد إبداعك المستورد منه، أما عقلك إذا نشط وفكر وفز من منامه وبدأت عجلة إنتاج المخ بحركة مدخلات قراءة وتجارب حياتية طبيعية، فسوف تكون مخرجات عقلك مثل خبيز العيش البلدي في الفرن الفلاحي له طعم ولون ورائحة، تستطعم روح الكلمة وتشعر بدفء المشاعر الإنسانية فيما طبخته فصوصك في القشرة الدماغية التي ارتدت الأفارول الأزرق وفرحت بعودتك للبحث والقراءة والكتابة.

بالطبع هناك أخطاء قد تصدر من صنع بنات أفكارك، لا يوجد مصنع يحقق الأرباح فقط دومًا هناك خسائر، لكن أنت تملك الخيار دائمًا لتصحيح جودة منتجك باستيراد ماكينات جديدة من الحياة، تلك الحياة التي هجرتها بتمقيق عينيك في الموبايل 16 ساعة قبل النوم، وصدقني هذا الخطأ البشري أفضل من الكمال الزائف الذي تنسبه لنفسك ولا تدرك أن التطبيق يعطيك علبة ضخمة فارغة معطوبة، بل يفضحك بعباراته المعلبة الباردة التي يصدرها للجميع، فلا تأمن لتاجر يأكل عقل زبائنه بمعسول الكلام ليحصل على مراده، وهو بالفعل نجح في ذلك، لقد نال ما تمنى بالفعل.. إديته عقلك.

سوف يجيء يوم نجلس فيه لنقص ونروي ماذا فعل كل منا في موقعه، عن نفسي سأخبر أحفادي أنني كتبت هذا المقال بدون اللجوء لـ”الشات جي بي تي”، فإذا كان هو تطبيق ذكي فأنا خيرًا منه، لن أسجد لمخلوق صناعي، خلقني الله وأبدع في تركيبي لكي استخدم كل ما أعطاني إياه، ولن أعطي لعقلي إجازة من أجل نموذج توليدي صنعه “سام ألتمان” ورفاقه، وأتمنى من السيد سام ألا ينزعج من رفضي لمخلوقه المشوه، ويتهمني بمعادة السامية الألتمانية.

المصدر: اليوم السابع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى