كُتاب الترند العربي

سر الحياة الحلوة

هلا خباز

الحياة بتقضم منها قبل ما تعطيني ياها.. عبارة استوقفتني وأنا سرحانة مع المسلسل، يا ترى كم مرة حسينا إن الفرحة وصلتنا ناقصة؟ إن حلمنا تحقق متأخر؟

علمونا أن “أن تصل متأخرًا خير من أن لا تصل”.. ما الذي يقصدونه؟ أن نرضى بالفتات وبنصف الأشياء؟

السعادة شيء يختلف تمامًا عن التسليم والرضا، في فترة من عمري كنت أربط السعادة بالرضا وأعبر عنها “أنا راضية”، ومع مرور الوقت اكتشفت أنهم شيئين مختلفين تمامًا: “أنا راضية بس مش سعيدة”.

الرضا صفة حميدة، هي حالة نفسية وروحية يكون فيها الإنسان متصالح مع نفسه، ومع حياته، ومع كل ما هو عليه وما يملكه، عايش اللحظة بقناعة بدون تذمر ولا حسرة، أنا راضي عن حالي لو ما عندي اللي أتمناه، ممتن ومبسوط.. لذا أراه في كثير من الأحيان حيلة العاجز، والشماعة إلي نعلق عليها طموحنا المؤجل.

طيب، ماذا لو ارتبطت السعادة بالرضى بالامتنان؟

وقبل ما نكمل، خلنا نسأل نفسنا هالسؤال: لو كنت في جزيرة لحالك، وما عندك لا فلوس، ولا شهرة، ولا متعة… بس عندك راحة داخلية وصفاء ذهني.. هل بتعتبر نفسك سعيد؟

السعادة لغز عظيم، وواحد من أسرار الحياة إلي يملك كل شخص تفسير خاص فيه، هل هي حالة دائمة؟ أم لحظة فرح؟ أم نشوة تحقيق هدف؟ أم مجرد وهم نطارده طوال حياتنا؟

سر اجتهد الحكماء والكتاب والأشخاص العاديين في إيجاد تفسير له، أفلاطون كان يؤمن إن السعادة الحقيقية ما تجي من الشهوات أو المتع اللحظية، ويرى أنها نتاج الفضيلة والعيش وفقاً للنفس العاقلة، بينما يرى أرسطو أن السعادة هي المعنى والغاية من الحياة، الهدف النهائي والغاية القصوى للوجود الإنساني.

وللرواقيون تفسير يتعلق بـ “تحكم ولا تتعلق”.. تحرر من التعلق بالأشياء الخارجة عن إرادتك، أما نتشية، يراها أن السعادة تكمن في المعاناة، أنك تقاوم وتنتصر “إرادة القوة”.. كلهم اتفقوا إنها ما تعتمد على الخارج، بل تنبع من دواخلنا.

نرجع للسؤال: هل أنت سعيد أم راضي؟

ومتى ستكون سعيد؟

زمن كل شيء فيه شبه حقيقي حتى ما نقول زائف، زمن الكماليات صارت فيه ضروريات، لذا تلاقي الكل يركض ليحصل شغل وفرص أفضل، راتب أعلى، مجوهرات وأغلى الماركات، تسوق بلا حدود، جسم مثالي، سفر ورحلات 7 نجوم.. والقائمة تطول. كل يركض ورا هدف ويسعى ليجلس آخر اليوم على الكنبة وهو سعيد.

لكن، هل أنت سعيد؟

محمد حسن علوان في موت صغير عبّر عن السعادة بطريقة جميلة، فكتب: ‏”ولكنّي لا أشعرُ بهذا الثبات الذي تقول؟ ‏لأنّك تُصِرّ أن تعيشَ في الحياة، وأنا أقولُ لك: دع الحياةَ تعيشُ فيك”.

تقف صباحًا أمام المرآة، تغسل وجهك، تبتسم بامتنان لقد أصبحت! نجوت من الموت الصغير، تلبس، تفطر، تركب سيارتك، تروح عملك، ترجع منه، وتمارس أنشطتك، كلٌّ وروتينه ومزاجه، وبآخر الليل، وقبل ما تنام، يمر شريط اليوم قدامك.. هل أنت سعيد؟

يقول المفكر المصري سلامة موسى: “قديمًا بحث الناس عن السعادة، ولكننا الآن نكاد نتفق على أنها هي الشعور بالرقي. سواء أكان هذا الرقي بزيادة الصحة أو المال أو الجاه أو العلم. فما دمنا نزداد رقيًا فنحن سعداء”.

“تعيشين أجمل فترات حياتك”، هكذا علّق الكثير من الأصدقاء الذين قابلتهم مؤخرًا، أسعدني التعليق كثيرًا كوني مررت بأوقات صعبة في أعوامي الأخيرة.. ما الذي تغير فيني حتى يلاحظوا إشراقة الأربعين؟ ما الذي تغير فيني حتى أبتسم في كل صوري، خلافاً عن ألبوماتي السابقة؟

إن المفهوم العميق للسعادة يتجاوز الشعور اللحظي بالفرح أو المتعة، ويرتبط بحالة دائمة نسبيًا من الرضا الداخلي، والوعي، والسكينة، والتوازن النفسي، حتى في وجود التحديات والظروف الصعبة.

يرى فيكتور فرانكل أن السعادة الحقيقية تأتي من الإحساس بأن لحياتك معنى، سواء من خلال العمل، العلاقات، الإبداع، أو الإيمان.

إنها الاتساق مع الذات، أن نتصرف ونعيش وفقًا لقيمك الحقيقية ومبادئك الداخلية، أن تكون صادقًا أمام نفسك، وشجاعاً أمام مرآتك الداخلية.

حياتنا ليست مثالية دومًا، لذا إن أردت أن تكون سعيدًا، كن.. “كن سعيدًا في هذه اللحظة، فهذه اللحظة هي حياتك” كما يقول جلال الدين الرومي.

“تتلبد السماء بالغيوم أحيانًا.. ولكنها تشرق في أحيان أخرى”، كما قالت رضوى عاشور في ثلاثية غرناطة. فليس عيبًا ألا نحصل على ما نتمنى دومًا، ولكن العيب أن لا نجاهد، وأن لا نسعى لما نتمنى.

السعادة إحساس نصنعه، هي أسلوب حياة، تفكير، وعمق شعور، وتجربة شخصية فريدة. هي رحلة داخل الذات، تنمو معنا، وتتشكل حسب نظرتنا للحياة. السعادة ما هي لحظة، ولا حتى نهاية طريق…

كل واحد فينا عنده تعريفه الخاص للسعادة، لكن أجمل ما فيها إنها دائمًا قابلة للتجدد، وقابلة للاكتشاف من جديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى