عمر غازي

تبسيط الحياة

عمر غازي

في عام 2014، قررت الصحفية الأمريكية كورتني كارفر أن تغيّر حياتها بالكامل بعد أن شُخّصت بمرض التصلب المتعدد، لم يكن المرض هو ما صدمها، بل إدراكها أنها كانت تعيش حياة مزدحمة بكل ما هو غير ضروري، خزانة ممتلئة بملابس لا ترتديها، أيام مرهقة بلقاءات لا تُضيف شيئًا، ومهام لا تنتهي، فقررت أن تجرّب أسلوب الحياة البسيطة، تخلّت عن 90% من ممتلكاتها، وقلّصت قائمة علاقاتها الاجتماعية، فكتبت لاحقًا أنها لأول مرة بدأت تشعر بالحرية.

القصة قد تبدو متطرفة، لكنها تعكس حقيقة متزايدة في عالمنا الحديث، حيث باتت الحياة المعقدة وصفة مضمونة للقلق، الناس يركضون خلف كل شيء، ثم يكتشفون أنهم لا يملكون شيئًا، أظهرت دراسة أجرتها جامعة ستانفورد عام 2020 أن الأفراد الذين يطبّقون مبدأ “الحد الأدنى” في أنماط حياتهم يسجلون معدلات أقل بنسبة 35% في التوتر النفسي، ويحققون توازنًا أعلى في العمل والعلاقات.

التعقيد لا يأتي من الخارج، بل من الداخل، من الرغبة في إرضاء الجميع، في امتلاك كل ما يملكه الآخرون، في السير في كل الطرق دفعة واحدة، بينما البساطة لا تعني الفقر أو السذاجة، بل تعني الوضوح، معرفة ما يهمك فعلاً، وما يمكنك الاستغناء عنه دون أن تنقص قيمتك.

النجاح لا يصنعه من يملك كل شيء، بل من يعرف ما يستحق التمسك به، فبحسب تقرير صادر عن جامعة هارفارد عام 2019 فإن القادة الذين يتّبعون أسلوب إدارة مبني على تبسيط الأولويات يحققون أداء أعلى بنسبة 40% مقارنة بمن يوزعون طاقتهم على مهام متفرقة، بينما أولئك الذين يعيشون وفق “قوائم لا تنتهي” يتعرضون لمعدلات إرهاق أعلى بـ60%.

في العلاقات، البساطة تساوي الصدق، لا حاجة للتمثيل أو المجاملات الثقيلة، أصدقاء حقيقيون معدودون، أفضل من محيط مزدحم بالضجيج، وفي نمط الحياة، القليل المدروس أفضل من الكثير المبعثر، فالزحام في الخزانة قد يعني زحامًا في الفكر، والزحام في يومك يعني أنك لا تملك وقتًا لنفسك.

هل يعني هذا أن نترك الطموح؟ أبدًا، بل أن نُفرّق بين الطموح والتشتت، بين السعي المدروس والركض الفارغ، أن نعيش الحياة كأننا نختارها كل يوم، لا كأننا نُجبر عليها، فالبساطة لا تقتل الأحلام، بل تحميها من التبدّد.

ربما يكون السؤال الأهم: كم من الأشياء في حياتك أضفتها دون حاجة، وكم من الوقت والجهد ضاع في ما لا يُهم؟ لأن الحياة لا تحتاج إلى أكثر، بل تحتاج إلى أوضح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى