عمر غازيكُتاب الترند العربي

الخطة أو الخضوع

عمر غازي

في عام 1996، استقال شاب أمريكي يدعى براين تشيسكي من وظيفته في شركة تصميم معروفة، بعد أن أدرك أن سنواته تمضي دون أن يقترب من حلمه في تأسيس مشروعه الخاص، كان يعيش حياة منظمة بدقة، لكنه لم يكن صاحب القرار، كان مجرد ترس في آلة وضعت له خطة واضحة: راتب منتظم، مهام ثابتة، ومسار وظيفي لا يُسمح بتعديله، لم تكن لديه خطة، ولهذا كان جزءًا من خطة آخرين، خطة تضمن لهم النجاح وتترك له فتات الأمان.

هذه القصة لم تنتهِ عند باب الاستقالة، فبعد عامين، أسس براين مع صديقيه شركة ناشئة اسمها Airbnb، تحولت لاحقًا إلى واحدة من أعظم قصص النجاح في عالم الاقتصاد التشاركي، ووصلت قيمتها السوقية إلى أكثر من 100 مليار دولار عند إدراجها في البورصة، كل ذلك لأنه قرر أن يخرج من خطة غيره، ليبدأ خطته الخاصة، ولو بثمن الخوف والمجهول.

هذا القرار ليس مجرد شجاعة فردية، بل يعكس فلسفة حياتية غابت عن كثيرين، حيث أظهرت دراسة أجرتها جامعة ديوك عام 2020 أن 67% من الموظفين في العالم الصناعي لا يملكون تصورًا واضحًا لخمس سنوات قادمة، وأن أكثر من نصفهم يعترفون بأنهم يعملون في وظائف لا تشبه أحلامهم، بل وجدوا أنفسهم فيها لأنهم لم يخططوا لشيء، وتركوا الحياة تقودهم حيث شاءت.

العمل داخل خطة غيرك قد يبدو مريحًا في البداية، لكنه استسلام ناعم، لأنك ستجد نفسك في نهاية المطاف تنفذ رؤية لا تفهمها، وتبذل جهدك لتحقيق أهداف لا تؤمن بها، والأسوأ من ذلك أنك قد تكتشف متأخرًا أنك قضيت أجمل سنواتك في خدمة مشروع لا يشبهك.

الاقتصادات الحديثة لم تبنَ على الطاعة، بل على المبادرة، حيث كشف تقرير صادر عن البنك الدولي عام 2022 أن الدول التي يرتفع فيها عدد رواد الأعمال المستقلين بنسبة 10% تحقق نموًا اقتصاديًا أعلى بمعدل 1.5% سنويًا، مقارنة بالدول التي يفضل مواطنوها الوظائف الثابتة والعمل وفق خطط جاهزة، وهذا يعكس أن التخطيط الفردي لم يعد رفاهية، بل ضرورة.

أما على المستوى النفسي، فإن العيش داخل خطة لا تخصك يؤدي إلى ما يُعرف بـ”التشوش الوجودي”، حيث يشعر الإنسان بأنه مجرد منفّذ، بلا أثر حقيقي، وهو ما أكدته دراسة من جامعة أوسلو عام 2019 بأن غياب التخطيط الشخصي يُضاعف معدلات القلق والاكتئاب بنسبة 60% مقارنة بالأشخاص الذين يملكون رؤية واضحة لما يريدونه.

ويبقى السؤال: كم من الناس يستيقظون كل يوم لينفذوا جداول غيرهم، ويعيشوا حياة لا تمثلهم؟ وكم من الطاقات تضيع في السعي وراء رضا لا يخصهم؟ الجواب يبدأ حين تسأل نفسك: هل أنا أعيش خطتي، أم مجرد تابع في خطة غيري؟
لأنك إن لم تختر خطتك، فستخضع لخطة أحدهم، وهذا قانون الحياة، لا استثناء فيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى