كُتاب الترند العربي

شخص تفصيل

داليا مجدي عبدالغني

كانت هناك مقولة لا تروق لي، ولكن بمرور الزمن وبعد التجارب وتراكم الخبرات، اكتشفت أنها في محلها إلى حد بعيد، طالما أن هناك ثوابت أساسية لم تتغير، وتلك المقولة هي: “خد صاحبك على عيبه”، كم كانت تستثير حفظيتي بشدة، لقناعتي أنه ليس هناك أي شيء يستدعي تحمل عيوب الآخر، خاصة لو كانت غير مُستساغة له.

وظلت هذه الفكرة راسخة في عقلي لسنوات عديدة، وبمرور الزمن أيقنت أن هذه المقولة لها صدى منطقي مرتبط بأن الحياة لا يمكن أن تُعطي للإنسان الشخص التفصيل، فلابد أن يكون هناك الكثير من الاختلاف والتباين بين الشخصيات التي لا يمكن أن تتشابه إلى حد التطابق، فيكفي التوافق الذي يخلق نوعًا من الود والارتياح، طالما أنه لا يوجد خلاف يصل إلى حد التنافر، وما يستدعي الاحتمال هو أننا لا نملك تغيير الآخر، لاسيما وأننا لا نملك حتى تغيير أنفسنا بالكامل.

وكلما مر الزمن نكتشف أنه من الصعب إقامة علاقات جديدة في حياتنا، فهذا الأمر مرتبط إلى حد بعيد بالقدر والصدفة والحظ، بل ومرتبط كذلك بالظروف الشخصية أي القدرة والطاقة النفسية على معرفة الآخر وتفهمه والاستعداد لبناء هيكل إنساني معه، لذا ففي الكثير من الأحيان تضطرنا الظروف أن ننظر للأمور بشكل أعمق وذلك بتجاوز بعض المواقف لبعض الأشخاص الذين يُكنون المشاعر الصادقة لنا، لرغبتنا في الاحتفاظ بتلك المشاعر، التي ربما لن تتكرر في حياتنا كثيرًا، لاسيما لو كانت مواقفهم السلبية أقل كثيرًا من حجم مشاعرهم التي يغمروننا بها، فهنا لابد من التغاضي والتغافل، حتى تسير السفينة في سلام، ولا تتعثر عن سفاسف الأشياء.

وصدق السلف عندما قالوا: “اللي تعرفه أحسن من اللي متعرفوش”، فرغم انها ليست على إطلاقها، ولكنها مقولة لها وجاهتها، بالنسبة للأشخاص الذين نعرف حدود عيوبهم وحجم سلبياتهم، ونستشعر أننا نستطيع احتمالهم، لأن ما يُقدمونه يتجاوز كثيرًا تلك السلبيات، فالحياة تُؤكد لنا دائمًا أن الشخص التفصيل نادرًا ما نُقابله، فهذا منحة من القدر، وهو الاستثناء وليس الأصل، فلو قررنا أن نتعامل فقط مع أشباهنا ومَنْ يتم تفصيله على أيدينا، ربما نأتي إلى الحياة ونُغادرها دون أن نحتفظ بأي علاقة إنسانية حقيقية.

المصدر: اليوم السابع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى